صحافة لا تنام _____ وصحفي لا ينام

قبل ان تمد يدك لتقرأ الجريدة أمامك الآن‮.. ‬هناك قصة طويلة ذات مراحل مختلفة من‮ ‬التجهيزات الفنية والطباعة والتوزيع تقف‮ ‬وراء ذلك الأمر‮...‬وما يعنيني هنا ان كل تلك المراحل‮ ‬يجيء عليها وقت وينتهي دورها‮.. ‬اجهزة الكمبيوتر‮ ‬تغلق شاشاتها‮.. ‬وماكينات الطبع تفصل التيار الكهربائي عنها‮.. ‬سيارات التوزيع تطفيء محركاتها‮.. ‬كلها خلدت الي الراحة في انتظار يوم جديد يبدأ صباح الغد لتبدأ دورة صحفية جديدة حياتها معلنة ـ علي يد الصحفي صاحب الخبر ـ بدء يوم عمل‮ ‬جديد بعد‮ ‬ان امضت ساعات‮ ‬قليلة في النوم طلبا للراحة‮.‬
ولكن هناك صحافة اخري لا تعرف النوم‮ ‬،صاحبها صحفي آخر لا يعرف النوم ايضا‮.. ‬انها الصحافة الالكترونية أو صحافة‮ ‬المواقع الاخبارية والقائم عليها هو صحفي المستقبل أو الصحفي الالكتروني الذي يجب عليه التعامل مع شبكة الانترنت الرهيبة وبرامج الكمبيوتر المختلفة الاستخدامات‮.‬
لقد اشرف علي الانتهاء عصر الصحفي‮ »‬الموظف‮« ‬الذي يذهب كل يوم الي مكتبه في الجريدة انتظارا لاخبار اليوم الجديد حتي يبدأ بعدها في العمل بالكتابة والتحليل‮. ‬فإذا وقعت حادثة مثلا الساعة العاشرة صباح اليوم،‮ ‬لن يقرأ متصفح الجريدة أي خبر عنها الا في تمام الساعة العاشرة مساء نفس اليوم بعد ان تنتهي ماكينات الطباعة من طباعة صفحات الجريدة‮.. ‬أي بعد مرور اثنتي عشرة ساعة كاملة‮!!‬
تعال معي الآن الي أي موقع الكتروني يهتم بالاخبار لنقرأ نفس الخبر‮ - ‬وغيره من الأخبار‮ - ‬وأمام عنوانه‮ ‬ساعة النشر علي الموقع‮ ‬محددة بالدقيقة والثانية‮!! ‬ومن الممكن جدا ان يكون الصحفي الذي نشرها علي الموقع هو نفس الصحفي الذي ينتظر اثنتي عشرة ساعة كاملة ليكتبها في الصحيفة‮. ‬فقد تغيرت قواعد العمل الصحفي تماما وأصبحت مختلفة عن سابقتها‮. ‬فما الذي يحدث بالضبط؟
اننا الآن امام عصر جديد للصحافة‮.. ‬عصر تقارب فيه الزمن وتضاءلت فيه المسافات‮. ‬نحن‮ ‬ندخل عصر الصحافة الالكترونية المرتبطة ارتباطا مباشرا بالحدث والخبر‮. ‬يبدأ عملها بلحظة‮ ‬ولادته ولا ينتهي بنهايته‮.. ‬نحن امام صحافة لا ترتبط بموعد اغلاق ولا تعرف الخلود الي الراحة،‮ ‬نحن امام صحافة لا تعرف النوم‮.. ‬القائم عليها صحفي هو ايضا لا ينام‮.. ‬هذا الصحفي هو اساس العمل الذي يجب ان نوليه الاهتمام الاكبر لانه هو‮ »‬الصانع‮« ‬الاساسي في فريق العمل الصحفي‮.. ‬علينا ان نهتم بتنمية مهاراته وقدراته في التعامل مع اجهزة الكمبيوتر والتقنيات التكنولوجية‮.. ‬علينا ان نهتم بإطلاعه علي احدث المستجدات في عالم الصحافة الرقمية‮.. ‬علينا ان نغير من مفهومه في التعامل مع مفردات التكنولوجيا الوافدة عليه والتي‮ ‬لم يعرفها الا من سنوات‮ ‬قليلة مضت‮. ‬وفي المقابل علي الصحفي ان يدرك ارتباط مستقبله المهني بمدي اقباله علي التعامل التقني الجديد وألا يتباطأ في معرفة كل ما هو جديد ومستحدث في عالم الكمبيوتر والصحافة الالكترونية‮.. ‬هذا كله طبعا بالاضافة الي تأكده من صحة الخبر الوارد اليه من الجهات المعنية التي تتصل‮ ‬اتصالا مباشرا بحدوث الخبر،‮ ‬وعند حدوث ذلك التأكد ستكون المصداقية هي سمة ذلك الصحفي وصحيفته الالكترونية التي تنشر‮ ‬وسط العشرات من الصحف الالكترونية في الفضاء‮ »‬الفسيح‮«.‬
علي الصحفي الالكتروني الذي يتعامل مع موقعه الاخباري ان‮ ‬يغير من ايقاع عمله اليومي الذي اعتاد عليه طوال السنوات الماضية،‮ ‬فهو لا يرتبط بوقت محدد للعمل ولا بإجازة اسبوعية محددة اليوم‮.. ‬فالاحداث لا تعترف بالاجازات والاخبار لا ترتبط بدوام العمل المحدد‮.. ‬عليه ان يفهم ويؤمن بأنه في حالة عمل دائم‮ .. ‬مكتبه هو جهاز الكمبيوتر المحمول الذي يتلقي عليه الاخبار وايضا يرسل منه الاخبار والتحليلات والمقالات التي قام بإعدادها‮.. ‬لا توجد له‮ ‬غرفة‮ ‬ذات اربعة حوائط اسمنتية وانما‮ ‬غرفته هي ذلك الفضاء الذي لا حدود له‮.. ‬لا يوجد عنده‮ »‬صالون‮« ‬لاستقبال الزائرين للمناقشة والحوار والموافقة أو‮ ‬الاختلاف‮.. ‬ولكن‮ »‬صالونه‮« ‬اصبح صفحة علي موقع جريدته‮ ‬يستقبل فيها العشرات من رسائل الحوار من زملاء صحفيين أو قراء متابعين‮.. ‬لا يوجد مراقب للوقت يعرف موعد حضوره وموعد انصرافه بل اصبح له رقيب أشد واعتي‮.. ‬ان رقيبه الآن اصبح‮ ‬ضميره المهني وميثاق الشرف الصحفي الذي اقسم علي احترام بنوده والعمل بكل ما جاء فيه‮.. ‬فإذا كانت الصحافة الآن بشكلها الجديد اصبحت لا تنام ويقوم عليها صحفي ايضا لا ينام‮.. ‬فإن هناك عاملا مهما يجب ألا ينام أبدا‮.. ‬وهو ضمير الصحفي ومصداقيته نحو الخبر‮.. ‬وقراء الخبر‮.‬

تسلم ايدك ياقمر ايه ياد النشاط الصحفي ده