سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
+3
mizoo
عـابـر سـبـيـل
nona
7 مشترك
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأحد 29 أغسطس 2010, 1:02 am
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أضع بين أيديكم صفحات مضيئة مع قصص الأنبياء عليهم السلام ، سأبدؤها ب " بدء الخلق " ونكمل تباعاً إن شاءالله
بدءُ الخلق
اعلم أرشدنا الله وإيَّاك أن الله سبحانه وتعالى خالق العالمَ
بأسرهِ العلويّ والسفليّ والعرش والكرسيّ، وهو الأولُ أي الأزليّ الذي لا
بداية لوجوده، كان في الأزلِ وحده ولم يكن شىءٌ من العوالم الكثيفة كالعرش
والشمس والقمر والإنسان ولا من العوالم اللطيفة كالنور والظلام والأرواح
فهو موجود لا كالموجودات ليس كخلقه جسمًا لطيفًا ولا جسمًا كثيفًا لقوله
تعالى {ليس كمثله شىء} (سورة الشورى/11) وذلك لأنه لو كنا جسمًا كثيفًا
لكان له أمثال ولو كان جسمًا لطيفًا لكان له أمثال وقد دلت هذه الآيةُ على
ذلك وعلى أنّه لا يتصف بصفات العالمين كالحركة والسكون والتحول من حال الى
حال والتحيز في جهة او مكان والجلوس والاستقرار في جهة وذلك لأن الجلوس
صفة مشتركة بين الإنسان والملائكة والجنّ والطيور، فهو سبحانه وتعالى
الموجود الأزليّ الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه حادث مخلوق خلقه الله
بقدرته فأبرزه من العدم إلى الوجود، قال الله تبارك وتعالى: {اللهُ خالقُ
كل شىء وهو على كلّ شىء وكيل} (سورة الزمر/62)، وقال سبحانه: {وخلقَ كل
شىء فقدره تقديرًا} (سورة الفرقان/2)، وقال تعالى: {الحمدُ لله الذي خلق
السموات والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنور} (سورة الأنعام/1)، فإن الله
سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآية بأنه لم يكن في الأزلِ نور ولا ظلام فوجب
الإيمانُ بأنه مضى وقت لم يكن فيه نور ولا ظلام فيجب الإيمان بذلك مع أنّ
وهم الإنسان لا يستطيع أن يتصوره فكيف يستطيع أن يتصور الله، فالعقل الذي
يعجز عن أن يتصور بعض المخلوقات كيف يستطيع أن يتصور الخالق فهو كما قال
أئمة الهدى: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، قال ذلك الإمام أحمد بن
حنبل والإمام ذو النون المصري والشافعي وغيرهم.
أما الماء والعرش فهما أول خلق الله،
وأولهما وجودًا الماء، فهو أصل لغيره من المخلوقات واللهُ تعالى خلقه
بقدرته من غير أصل، فبداية العالم إذًا من غير مادة ولا يحيل العقل السليم
ذلك، والدليل الشرعيّ الذي استند إليه العلماء في أن أصل العالم هو الماء
وهو أول المخلوقات خبرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي
رواه ابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى
الله عليه وسلم قال: "كلُّ شىء خلقَ من الماء"، ولفظ ابن حبان أن أبا
هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتُك طابت نفسي وقرَّت عيني
فأنبئني عن كل شىء، قال: "إن اللهَ تعالى خلقَ كلّ شىء من الماء"، وفي
لفظ: "كل شىء خلق من الماء"، وروى السديُّ بأسانيد متعددة عن جماعة من
الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله لم يخلق شيئًا
مما خلقَ قبل الماء". فيتبين بذلك أن الماءَ هو أصل جميع المخلوقات وهو
أول الخلق، فمن الماء خلق اللهُ العالمَ.
وثاني المخلوقات بعد الماء العرشُ وهو
أكبر الأجرام التي خلقها الله، ثم خلق الله القلم الأعلى، ثم اللوح
المحفوظ. والذي يدلّ على أولية هذه المخلوقات الأربعة ما رواه البخاريّ
وابن الجارود والبيهقي من حديث عمران بن الحصين قال: أتى أناسٌ من أهل
اليمنِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله جئناك
لنتفقه في الدين فأنبئنا عن بَدء هذا الأمر ما كان، فقال: "كان اللهُ ولم
يكن شىء غيرُه، وكان عرشُهُ على الماء وكتب في الذكر كلَّ شىء، ثم خلقَ
السموات والأرض" وفي رواية البيهقي من طريق أبي معاوية: "كان الله قبلَ كل
شىء"
فهذا الوفد سأل النبيَّ صلى الله عليه
وسلم عن بدء هذا الأمر أي عن أول العالم فاجابهم النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً بالأهم أي بأهمّ مما سألوا وهو أنه أثبتَ الأزليةَ لله وحده، ثم
أجابهم عن سؤالهم وهو أول العالم وبدء الخلق، والأمر الأهم هو قوله صلى
الله عليه وسلم:"كان اللهُ ولم يكن شىء غيرُه" أي كان الله في الأزل
موجودًا وليس غيره معه، فأفادهم عليه الصلاة والسلام أن الأزلية المطلقة
ليست إلا لله الخالق، وأن الموجود الذي لا ابتداء لوجوده هو الله سبحانه
وتعالى فقط لا يشاركه في هذه الصفة شىء غيره من المخلوقات، لأن الألوهية
لا تصح مع إثبات شىء غير الله مع الله تعالى في الأزل، وقد أثبت الله في
القرءان الأزليةَ له وحده ليفهمنا أن هذا العالم كله مخلوق خلقه من العدم
إلى الوجود، قال الله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل
شىء عليم} (سورة الحديد/3) والأولُ إذا أطلق على الله معناه الذي لا بداية
لوجوده. وقد أجمع علماء المسلمين قاطبة على تكفير الذين قالوا بأزلية
العالم كابن سينا والفارابي ومن تبعهم، وسواء في الكفر الذين قالوا: إن
العالم قديم بجنسه ونوعه، حادث مخلوق بأفراده، والذين قالوا إن العالم
قديم أزلي بمادته وصورته أي تركيبه، فكلا الفريقين كفار، وممن نقل الإجماع
على تكفيرهم الإمام الفقيه المحدث الأصوليّ بدر الدين الزركشيّ في كتابه
تشنيف المسامع بشرح جمع الجوامع فقال بعد أن ذكر كلام الفريقين: "وضللهم
المسلمون وكفروهم"، وممن نص على تكفيرهم الإمام المجتهد والحافظ اللغويّ
تقي الدين السبكي الشافعي، والقاضي عياض المالكي، والحافظ ابن حجر
العسقلاني شارح صحيح البخاري وغيرهم.
أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد
والترمذي من حديث عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال: "أولُ ما خلق الله
القلم، ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة" فالمراد به الأولية
النسبية أي هو أول بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، ويعين هذا التأويل
حديث مسلم في صحيحه: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض
بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء" فقد دل هذا الحديث على أن ذلك بعد خلق
العرش، فثبت تقديم العرش على القلم الذي كتب به المقادير.
وبما تقدم من النقل الصحيح يعلم بطلان قول إن النور المحمدي هو أول خلق
الله، والاستدلال لذلك بحديث: "أول ما خلق الله تعالى نورُ نبيك يا جابر،
خلقه الله من نوره قبل الأشياء" باطل لأنه حديث موضوع على رسول الله كما
قال السيوطي في شرح الترمذي وغيره، وهو جدير بكونه موضوعًا لمخالفته
القرءان والحديث ولا يصح نسبته إلى مصنف عبد الرزاق الصنعاني لأنه ذكر في
تفسيره أن الماء بدءُ الخلق، وأما حديث: "أول ما خلق الله العقل" فليس
بثابت كما ذكر الحافظ العراقي وغيره.
خلق العرش والقلم الأعلى واللوح المحفوظ
العرش
قال الله تعالى {وهوَ ربُّ العرشِ العظيم} (سورة التوبة/129) وهو سرير له
أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهو سقف الجنة منفصل عنها ويدل على
ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش
الرحمن". ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى،
وهو أكبر مخلوقات الله حجمًا ومساحة وامتدادًا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ما السموات السبعُ معَ الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاة،
وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" رواه ابن حبان وغيره.
والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة ويوم القيامة يكونون ثمانية قال الله
تعالى: {ويحمِل عرشَ ربّك فوقهم يومئذ ثمانية} (سورة الحاقة/17)، وقد وصف
الرسول صلى الله عليه وسلم أحدَ حملة العرش بأن ما بين شحمة أذنه إلى
عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع رواه أبو داود.
الحكمة من خلق العرش:
يستحيل عقلاً أن يكون العرش مقعدًا لله فكيف يكون الرب الذي هو خالق للعرش
وغيره محمولاً على سرير يحمله الملائكة على أكتافهم، ولا يصح تفسير قول
الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه/5) بجلس لأن الجلوس من صفات
البشر والجن والملائكة والدواب بل معنى قول الله تعالى {استوى} قهر لأن
القهر صفة كمال لائق بالله تعالى لذلك وصف الله نفسه فقال: {وهو الواحد
القهار} فهذا العرش العظيم خلقه الله إظهارًا لعظيم قدرته ولم يتخذه
مكانًا لذاته، لأن المكان من صفات الخلق والله سبحانه تنزه عن المكان
والزمان، قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه :"لا تحويه (أي الله) الجهاتُ
الستّ كسائر المبتدعات"، وقال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "إن الله خلق
العرش إظهارًا لقدرتهِ ولم يتخذه مكانًا لذاته"، رواه عنه الإمام أبو
منصور البغدادي. فالملائكة الكرام الحافون حول العرش والذين لا يعلم عددهم
إلا الله يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويزدادون علمًا بكمال قدرة الله
سبحانه وتعالى عندما يرون هذا العرش العظيم.
القلم الأعلى واللوح المحفوظ:
خلق الله تعالى القلم الأعلى بعد خلق الماء والعرش وهو ثالث المخلوقات،
وهو جِرم عظيم جدًّا على شكل نور، ثم خلق الله تعالى بعد القلم الأعلى
اللوح المحفوظ وهو رابع المخلوقات، قال بعض العلماء إنه فوق العرش، وقال
بعضهم إنه تحت العرش. وجرمه عظيم جدًّا مقداره ومساحته مسيرة خمسمائة عام،
طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب. وقد أمر الله
القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسّهُ أحد
من الخلق وسطر في اللوح المحفوظ كل ما سيكون في العالم حتى نهاية الدنيا،
وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد
والترمذيّ عن عُبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوَّلُ
ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة".
والدليل من القرءان الكريم على أن كل
شىء كائن في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ هو قوله
تعالى: {وكلُّ شىء أحصيناه في إمامٍ مبين} (سورة يس/12)، ومن الحديث قوله
صلى الله عليه وسلم: "كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ
والأرضَ بخمسين ألف سنة وكان عرشُه على الماء" رواه مسلم.
خلق السموات والأرض:
خلق الله تعالى بقدرته سبع سموات وسبع أراضي، قال الله تعالى: {الذي خلق
سبع سموات ومن الأرضِ مثلهنَّ} (سورة الطلاق/12)، فيجب الإيمان بذلك،
فأرضنا هذه واحدة من الأراضي السبع التي خلقها الله تبارك وتعالى وأبدعها.
والسموات التي خلقها الله عظيمة الخلقة تدل على عظمة قدرة البارىء عز وجل،
فسمك السماء الواحدة مسافة خمسمائة عام وكلها مشحونة بالملائكة الذين
يعبدون الله ويقدسونه ولا يفترون عن ذِكره، وقد ورد أن المسافة ما بين
سماء وسماء مسافة خمسمائة عام، وكذلك المسافة ما بين أرض وأرض، فالسموات
السبع متراكبة بعضها فوق بعض وكل واحدة منفصلة عن الأخرى وكذلك الأراضي
السبع، قال الله سبحانه وتعالى في القرءان: {ألم تروا كيف خلق اللهُ سبع
سموات طِباقًا*وجعلَ القمر فيهنّ نورًّا وجعل الشمس سراجًا} (سورة
نوح/15-16)، وقال سبحانه: {وبنينا فوقكم سبعًا شِدادًا} (سورة النبأ/16)
أي أن السموات السبع شديدة عظيمة الخلقة في اتساعها وارتفاعها وإحكامها
وإتقانها.
وقد جاء في القرءان أن خلق السموات والأراضي السبع كان في ستة أيام وكل
يوم من هذه الأيام الستة كألف سنة مما نعدّ أي بتقدير أيامنا هذه لقوله
تعالى: {وإن يومًا عند ربّك كألف سنةٍ مما تعدّون} (سورة الحج/47)، وقول
الله تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا
من لغوب} (سورة ق/38) أي تعب وإعياء، وقوله تعالى: {إن ربكم الذي خلق
السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} (سورة الأعراف/54).
ومعنى ثم استوى أي وقد استوى على
العرش أي أن الله تعالى كان مستويًا على العرش أي قاهرًا له قبل خلق
السموات والارض وليس معنى "ثم" في هذه الآية أن استواء الله على العرش أي
قهره للعرش حصل بعدما خلق الله السموات والأرض ومن المقرر عند علماء اللغة
أن "ثم" تأتي بمعنى الواو وهذا معناها في هذه الآية كم قال الإمام أبو
منصور الماتريدي، وما يتصوره بعض الناس من أن الله بعدما خلق الأرض في
يومين صعد إلى السموات وخلقها في يومين ثم خلق مرافق الأرض الجبال
والانهار والمرعى وءادم في يومي الخميس والجمعة ثم صعد إلى العرش وجلس
عليه هذا تحريف للقرءان ووصفٌ لله تعالى بالتنقل وهو محال، أليس ذكر الله
في القرءان أن إبراهيم استدل على أن الكواكب والشمس والقمر لا يصلحون
للألوهية لكونهم يتنقلون، أليس ذكر الله عن إبراهيم أنه قال: {لا أحب
الآفلين} أي أن الذي يتنقل من حال إلى حال لا يصلح أن يكون ربًّا خالقًا.
وكان خلقُ الأرضِ في اليومين الأولين وهما يوما الأحد والاثنين، ثم خلقَ
السمواتِ السبعَ في اليومين التاليين وهما الثلاثاء والأربعاء، وأما في
اليومين الأخيرين وهما الخميس والجمعة فقد خلق الله تبارك وتعالى مرافق
الأرضِ التي يعيش فيها الإنسان من جبال وأنهار ووديان وأشجار وما أشبه
ذلك، ولقد كان بدءُ خلق الملائكة في تلك الأيام الستة وكذلك خلق إبليس
اللعين الذي هو أبو الجن، وأما سيدنا ءادمُ عليه السلام الذي هو أبو البشر
وأول الأنبياء فقد خلقه الله تبارك وتعالى في ءاخر اليوم السادس وهو يوم
الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع فكان ءادم ءاخر أنواع العوالم التي
خلقها الله تبارك وتعالى، روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يومُ الجمعةِ فيه خُلق ءادمُ وفيه أدخل
الجنّة وفيه أخرج منها"، ويعني ذلك أن تمام خلق ءادم كان في الجنة لأن
بدءه التربة التي نقلت من الأرض إلى الجنّة فعجنت هذه التربة بماء الجنة
ثم مكث طينًا أربعين يومًا ثم جعله صلصالاً كالفخار ثم حوّله عظمًا ولحمًا
ودمًا ثم نفخ فيه الروح الطيبة الكريمة عند الله، وهذا معنى قول الله
تعالى: {فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي} أي الروح التي هي ملك لي ومشرفة
عندي.
ومما يدلّ على ما قدمناه قوله تعالى: {
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا
أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ
اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء
أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (12) (سورة فصلت).
فالله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآيات أنه خلق الأرض أولاً في يومين لأن
الأرض كالأساس، ثم خلق بعد ذلك السماوات في يومين وهي الكسقف بالنسبة
للأرض قال الله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا وهم عن ءاياتها معرضون} (سورة الأنبياء/32)، وقال الله تبارك وتعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهنّ سبع سموات وهو بكل شىء عليم} (سورة البقرة/29).
ومعنى قوله تعالى: (ثم استوى الى السماء) 29 سورة البقرة. أي اتبع ذلك
بخلق السماء، اي خلق الارض ثم الحق السماء بالارض، وبعضهم يقول: "استوى"
قصد، لكن هذه فيها ما فيها لأنها توهم أن مشيئة الله تتجدد وهذا محظور
باطل، مشيئة الله واحدة ازلية ليس له مشيئة بعدد المخلوقات.
وخلق الله الشمس والقمر وسائر النجوم قال تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقًا*وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشمس سراجًا} (سورة
نوح/15-16)، وقال تعالى: {إنَّا زيّنا السمآء الدنيا بزينة الكواكب} (سورة الصافات/6)، وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ}
(سورة الأعراف/54).
أما دحو الأرض فكان بعد خلق السموات وكان ذلك في اليومين الأخيرين من تلك الأيام الستة قال الله جلت قدرته: {ءأنتم أشدّ خلقًا أم السماء بناها*رفع سَمكها فسواها*وأغطش ليلها وأخرج ضحاها*والأرض بعد ذلك دحاها} (سورة النازعات/27-30).
ومعنى دحاها أي وسعها وجعلها صالحةً للسكن بأن أجرى فيها الأنهار والوديان والينابيع قال تعالى: {أمَّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا}، وجعل الله الجبال رواسي قال تعالى: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (سورة النحل/15)، وقال تعالى: {والجبال أرساها} (سورة النازعات/32)، وخلق الله البحار قال تعالى: {وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًًّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (سورة النحل/14) فسبحان الله المتفضل المنعم.
فائدة: الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام مع أن الله جلت قدرته
قادرٌ على خلقها في أقلّ من ذلك تعليم الناس التأنيَ في الأمور والتروي
وعدم الاستعجال. وأما قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}
(سورة يس/82) فليس معناه أن الله خلق الخلق في لحظة، إنما معناه يخلق
العالم بدون تعب ومشقة وبدون ممانع يمانعه وبدون تأخر عن الوقت الذي أراد
وجوده فيه، وليس معنى {أن يقول له كن فيكون} أنه كلما أراد أن
يوجِد شيئًا من مخلوقاته يقول له "كن" أي بهذه الكلمة المركبة من كاف ونون
وهذا غير معقول لأن الله يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر
فكيف يعقل أنه ينطق بعدد كل ما يخلق بهذه الكلمة كن باللغة العربية والله
تعالى كان قبل اللغات، إنما هذا عبارة عن إيجاده تعالى الأشياءَ بدون تعب
كما أن الإنسان يكون أسهل شىء عليه التلفظ بكن لا يعاني منه مشقة، فالله
تعالى ذكر هذا تفهيمًا للمعنى لإفهام الخلق، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي
الله عنه: "القرءان امثال ومواعظ" أي ليس كل القرءان على ظواهره. والحمد
لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أضع بين أيديكم صفحات مضيئة مع قصص الأنبياء عليهم السلام ، سأبدؤها ب " بدء الخلق " ونكمل تباعاً إن شاءالله
بدءُ الخلق
اعلم أرشدنا الله وإيَّاك أن الله سبحانه وتعالى خالق العالمَ
بأسرهِ العلويّ والسفليّ والعرش والكرسيّ، وهو الأولُ أي الأزليّ الذي لا
بداية لوجوده، كان في الأزلِ وحده ولم يكن شىءٌ من العوالم الكثيفة كالعرش
والشمس والقمر والإنسان ولا من العوالم اللطيفة كالنور والظلام والأرواح
فهو موجود لا كالموجودات ليس كخلقه جسمًا لطيفًا ولا جسمًا كثيفًا لقوله
تعالى {ليس كمثله شىء} (سورة الشورى/11) وذلك لأنه لو كنا جسمًا كثيفًا
لكان له أمثال ولو كان جسمًا لطيفًا لكان له أمثال وقد دلت هذه الآيةُ على
ذلك وعلى أنّه لا يتصف بصفات العالمين كالحركة والسكون والتحول من حال الى
حال والتحيز في جهة او مكان والجلوس والاستقرار في جهة وذلك لأن الجلوس
صفة مشتركة بين الإنسان والملائكة والجنّ والطيور، فهو سبحانه وتعالى
الموجود الأزليّ الذي لا ابتداء لوجوده، وما سواه حادث مخلوق خلقه الله
بقدرته فأبرزه من العدم إلى الوجود، قال الله تبارك وتعالى: {اللهُ خالقُ
كل شىء وهو على كلّ شىء وكيل} (سورة الزمر/62)، وقال سبحانه: {وخلقَ كل
شىء فقدره تقديرًا} (سورة الفرقان/2)، وقال تعالى: {الحمدُ لله الذي خلق
السموات والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنور} (سورة الأنعام/1)، فإن الله
سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآية بأنه لم يكن في الأزلِ نور ولا ظلام فوجب
الإيمانُ بأنه مضى وقت لم يكن فيه نور ولا ظلام فيجب الإيمان بذلك مع أنّ
وهم الإنسان لا يستطيع أن يتصوره فكيف يستطيع أن يتصور الله، فالعقل الذي
يعجز عن أن يتصور بعض المخلوقات كيف يستطيع أن يتصور الخالق فهو كما قال
أئمة الهدى: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، قال ذلك الإمام أحمد بن
حنبل والإمام ذو النون المصري والشافعي وغيرهم.
أما الماء والعرش فهما أول خلق الله،
وأولهما وجودًا الماء، فهو أصل لغيره من المخلوقات واللهُ تعالى خلقه
بقدرته من غير أصل، فبداية العالم إذًا من غير مادة ولا يحيل العقل السليم
ذلك، والدليل الشرعيّ الذي استند إليه العلماء في أن أصل العالم هو الماء
وهو أول المخلوقات خبرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي
رواه ابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى
الله عليه وسلم قال: "كلُّ شىء خلقَ من الماء"، ولفظ ابن حبان أن أبا
هريرة قال: قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتُك طابت نفسي وقرَّت عيني
فأنبئني عن كل شىء، قال: "إن اللهَ تعالى خلقَ كلّ شىء من الماء"، وفي
لفظ: "كل شىء خلق من الماء"، وروى السديُّ بأسانيد متعددة عن جماعة من
الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله لم يخلق شيئًا
مما خلقَ قبل الماء". فيتبين بذلك أن الماءَ هو أصل جميع المخلوقات وهو
أول الخلق، فمن الماء خلق اللهُ العالمَ.
وثاني المخلوقات بعد الماء العرشُ وهو
أكبر الأجرام التي خلقها الله، ثم خلق الله القلم الأعلى، ثم اللوح
المحفوظ. والذي يدلّ على أولية هذه المخلوقات الأربعة ما رواه البخاريّ
وابن الجارود والبيهقي من حديث عمران بن الحصين قال: أتى أناسٌ من أهل
اليمنِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله جئناك
لنتفقه في الدين فأنبئنا عن بَدء هذا الأمر ما كان، فقال: "كان اللهُ ولم
يكن شىء غيرُه، وكان عرشُهُ على الماء وكتب في الذكر كلَّ شىء، ثم خلقَ
السموات والأرض" وفي رواية البيهقي من طريق أبي معاوية: "كان الله قبلَ كل
شىء"
فهذا الوفد سأل النبيَّ صلى الله عليه
وسلم عن بدء هذا الأمر أي عن أول العالم فاجابهم النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً بالأهم أي بأهمّ مما سألوا وهو أنه أثبتَ الأزليةَ لله وحده، ثم
أجابهم عن سؤالهم وهو أول العالم وبدء الخلق، والأمر الأهم هو قوله صلى
الله عليه وسلم:"كان اللهُ ولم يكن شىء غيرُه" أي كان الله في الأزل
موجودًا وليس غيره معه، فأفادهم عليه الصلاة والسلام أن الأزلية المطلقة
ليست إلا لله الخالق، وأن الموجود الذي لا ابتداء لوجوده هو الله سبحانه
وتعالى فقط لا يشاركه في هذه الصفة شىء غيره من المخلوقات، لأن الألوهية
لا تصح مع إثبات شىء غير الله مع الله تعالى في الأزل، وقد أثبت الله في
القرءان الأزليةَ له وحده ليفهمنا أن هذا العالم كله مخلوق خلقه من العدم
إلى الوجود، قال الله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل
شىء عليم} (سورة الحديد/3) والأولُ إذا أطلق على الله معناه الذي لا بداية
لوجوده. وقد أجمع علماء المسلمين قاطبة على تكفير الذين قالوا بأزلية
العالم كابن سينا والفارابي ومن تبعهم، وسواء في الكفر الذين قالوا: إن
العالم قديم بجنسه ونوعه، حادث مخلوق بأفراده، والذين قالوا إن العالم
قديم أزلي بمادته وصورته أي تركيبه، فكلا الفريقين كفار، وممن نقل الإجماع
على تكفيرهم الإمام الفقيه المحدث الأصوليّ بدر الدين الزركشيّ في كتابه
تشنيف المسامع بشرح جمع الجوامع فقال بعد أن ذكر كلام الفريقين: "وضللهم
المسلمون وكفروهم"، وممن نص على تكفيرهم الإمام المجتهد والحافظ اللغويّ
تقي الدين السبكي الشافعي، والقاضي عياض المالكي، والحافظ ابن حجر
العسقلاني شارح صحيح البخاري وغيرهم.
أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد
والترمذي من حديث عبادة بن الصامت عن النبي أنه قال: "أولُ ما خلق الله
القلم، ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة" فالمراد به الأولية
النسبية أي هو أول بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، ويعين هذا التأويل
حديث مسلم في صحيحه: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض
بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء" فقد دل هذا الحديث على أن ذلك بعد خلق
العرش، فثبت تقديم العرش على القلم الذي كتب به المقادير.
وبما تقدم من النقل الصحيح يعلم بطلان قول إن النور المحمدي هو أول خلق
الله، والاستدلال لذلك بحديث: "أول ما خلق الله تعالى نورُ نبيك يا جابر،
خلقه الله من نوره قبل الأشياء" باطل لأنه حديث موضوع على رسول الله كما
قال السيوطي في شرح الترمذي وغيره، وهو جدير بكونه موضوعًا لمخالفته
القرءان والحديث ولا يصح نسبته إلى مصنف عبد الرزاق الصنعاني لأنه ذكر في
تفسيره أن الماء بدءُ الخلق، وأما حديث: "أول ما خلق الله العقل" فليس
بثابت كما ذكر الحافظ العراقي وغيره.
خلق العرش والقلم الأعلى واللوح المحفوظ
العرش
قال الله تعالى {وهوَ ربُّ العرشِ العظيم} (سورة التوبة/129) وهو سرير له
أربع قوائم ومكانه فوق السموات السبع وهو سقف الجنة منفصل عنها ويدل على
ذلك ما رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسطها وسقفه عرش
الرحمن". ثم إن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى،
وهو أكبر مخلوقات الله حجمًا ومساحة وامتدادًا قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "ما السموات السبعُ معَ الكرسي إلا كحلقة ملقاةٍ بأرضٍ فلاة،
وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" رواه ابن حبان وغيره.
والعرش يحمله أربعة من أعظم الملائكة ويوم القيامة يكونون ثمانية قال الله
تعالى: {ويحمِل عرشَ ربّك فوقهم يومئذ ثمانية} (سورة الحاقة/17)، وقد وصف
الرسول صلى الله عليه وسلم أحدَ حملة العرش بأن ما بين شحمة أذنه إلى
عاتقه مسيرة سبعمائة عام بخفقان الطير المسرع رواه أبو داود.
الحكمة من خلق العرش:
يستحيل عقلاً أن يكون العرش مقعدًا لله فكيف يكون الرب الذي هو خالق للعرش
وغيره محمولاً على سرير يحمله الملائكة على أكتافهم، ولا يصح تفسير قول
الله تعالى {الرحمن على العرش استوى} (سورة طه/5) بجلس لأن الجلوس من صفات
البشر والجن والملائكة والدواب بل معنى قول الله تعالى {استوى} قهر لأن
القهر صفة كمال لائق بالله تعالى لذلك وصف الله نفسه فقال: {وهو الواحد
القهار} فهذا العرش العظيم خلقه الله إظهارًا لعظيم قدرته ولم يتخذه
مكانًا لذاته، لأن المكان من صفات الخلق والله سبحانه تنزه عن المكان
والزمان، قال الإمام الطحاوي رضي الله عنه :"لا تحويه (أي الله) الجهاتُ
الستّ كسائر المبتدعات"، وقال سيدنا عليّ رضي الله عنه: "إن الله خلق
العرش إظهارًا لقدرتهِ ولم يتخذه مكانًا لذاته"، رواه عنه الإمام أبو
منصور البغدادي. فالملائكة الكرام الحافون حول العرش والذين لا يعلم عددهم
إلا الله يسبحون الله تعالى ويقدسونه ويزدادون علمًا بكمال قدرة الله
سبحانه وتعالى عندما يرون هذا العرش العظيم.
القلم الأعلى واللوح المحفوظ:
خلق الله تعالى القلم الأعلى بعد خلق الماء والعرش وهو ثالث المخلوقات،
وهو جِرم عظيم جدًّا على شكل نور، ثم خلق الله تعالى بعد القلم الأعلى
اللوح المحفوظ وهو رابع المخلوقات، قال بعض العلماء إنه فوق العرش، وقال
بعضهم إنه تحت العرش. وجرمه عظيم جدًّا مقداره ومساحته مسيرة خمسمائة عام،
طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب. وقد أمر الله
القلم أن يجري على اللوح المحفوظ فجرى بقدرة الله ومن غير أن يمسّهُ أحد
من الخلق وسطر في اللوح المحفوظ كل ما سيكون في العالم حتى نهاية الدنيا،
وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد
والترمذيّ عن عُبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوَّلُ
ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة".
والدليل من القرءان الكريم على أن كل
شىء كائن في هذا العالم حتى يوم القيامة مسجل في اللوح المحفوظ هو قوله
تعالى: {وكلُّ شىء أحصيناه في إمامٍ مبين} (سورة يس/12)، ومن الحديث قوله
صلى الله عليه وسلم: "كتبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السمواتِ
والأرضَ بخمسين ألف سنة وكان عرشُه على الماء" رواه مسلم.
خلق السموات والأرض:
خلق الله تعالى بقدرته سبع سموات وسبع أراضي، قال الله تعالى: {الذي خلق
سبع سموات ومن الأرضِ مثلهنَّ} (سورة الطلاق/12)، فيجب الإيمان بذلك،
فأرضنا هذه واحدة من الأراضي السبع التي خلقها الله تبارك وتعالى وأبدعها.
والسموات التي خلقها الله عظيمة الخلقة تدل على عظمة قدرة البارىء عز وجل،
فسمك السماء الواحدة مسافة خمسمائة عام وكلها مشحونة بالملائكة الذين
يعبدون الله ويقدسونه ولا يفترون عن ذِكره، وقد ورد أن المسافة ما بين
سماء وسماء مسافة خمسمائة عام، وكذلك المسافة ما بين أرض وأرض، فالسموات
السبع متراكبة بعضها فوق بعض وكل واحدة منفصلة عن الأخرى وكذلك الأراضي
السبع، قال الله سبحانه وتعالى في القرءان: {ألم تروا كيف خلق اللهُ سبع
سموات طِباقًا*وجعلَ القمر فيهنّ نورًّا وجعل الشمس سراجًا} (سورة
نوح/15-16)، وقال سبحانه: {وبنينا فوقكم سبعًا شِدادًا} (سورة النبأ/16)
أي أن السموات السبع شديدة عظيمة الخلقة في اتساعها وارتفاعها وإحكامها
وإتقانها.
وقد جاء في القرءان أن خلق السموات والأراضي السبع كان في ستة أيام وكل
يوم من هذه الأيام الستة كألف سنة مما نعدّ أي بتقدير أيامنا هذه لقوله
تعالى: {وإن يومًا عند ربّك كألف سنةٍ مما تعدّون} (سورة الحج/47)، وقول
الله تعالى: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا
من لغوب} (سورة ق/38) أي تعب وإعياء، وقوله تعالى: {إن ربكم الذي خلق
السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} (سورة الأعراف/54).
ومعنى ثم استوى أي وقد استوى على
العرش أي أن الله تعالى كان مستويًا على العرش أي قاهرًا له قبل خلق
السموات والارض وليس معنى "ثم" في هذه الآية أن استواء الله على العرش أي
قهره للعرش حصل بعدما خلق الله السموات والأرض ومن المقرر عند علماء اللغة
أن "ثم" تأتي بمعنى الواو وهذا معناها في هذه الآية كم قال الإمام أبو
منصور الماتريدي، وما يتصوره بعض الناس من أن الله بعدما خلق الأرض في
يومين صعد إلى السموات وخلقها في يومين ثم خلق مرافق الأرض الجبال
والانهار والمرعى وءادم في يومي الخميس والجمعة ثم صعد إلى العرش وجلس
عليه هذا تحريف للقرءان ووصفٌ لله تعالى بالتنقل وهو محال، أليس ذكر الله
في القرءان أن إبراهيم استدل على أن الكواكب والشمس والقمر لا يصلحون
للألوهية لكونهم يتنقلون، أليس ذكر الله عن إبراهيم أنه قال: {لا أحب
الآفلين} أي أن الذي يتنقل من حال إلى حال لا يصلح أن يكون ربًّا خالقًا.
وكان خلقُ الأرضِ في اليومين الأولين وهما يوما الأحد والاثنين، ثم خلقَ
السمواتِ السبعَ في اليومين التاليين وهما الثلاثاء والأربعاء، وأما في
اليومين الأخيرين وهما الخميس والجمعة فقد خلق الله تبارك وتعالى مرافق
الأرضِ التي يعيش فيها الإنسان من جبال وأنهار ووديان وأشجار وما أشبه
ذلك، ولقد كان بدءُ خلق الملائكة في تلك الأيام الستة وكذلك خلق إبليس
اللعين الذي هو أبو الجن، وأما سيدنا ءادمُ عليه السلام الذي هو أبو البشر
وأول الأنبياء فقد خلقه الله تبارك وتعالى في ءاخر اليوم السادس وهو يوم
الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع فكان ءادم ءاخر أنواع العوالم التي
خلقها الله تبارك وتعالى، روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يومُ الجمعةِ فيه خُلق ءادمُ وفيه أدخل
الجنّة وفيه أخرج منها"، ويعني ذلك أن تمام خلق ءادم كان في الجنة لأن
بدءه التربة التي نقلت من الأرض إلى الجنّة فعجنت هذه التربة بماء الجنة
ثم مكث طينًا أربعين يومًا ثم جعله صلصالاً كالفخار ثم حوّله عظمًا ولحمًا
ودمًا ثم نفخ فيه الروح الطيبة الكريمة عند الله، وهذا معنى قول الله
تعالى: {فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي} أي الروح التي هي ملك لي ومشرفة
عندي.
ومما يدلّ على ما قدمناه قوله تعالى: {
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا
أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ
اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ
اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء
أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (12) (سورة فصلت).
فالله سبحانه وتعالى أخبر في هذه الآيات أنه خلق الأرض أولاً في يومين لأن
الأرض كالأساس، ثم خلق بعد ذلك السماوات في يومين وهي الكسقف بالنسبة
للأرض قال الله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا وهم عن ءاياتها معرضون} (سورة الأنبياء/32)، وقال الله تبارك وتعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهنّ سبع سموات وهو بكل شىء عليم} (سورة البقرة/29).
ومعنى قوله تعالى: (ثم استوى الى السماء) 29 سورة البقرة. أي اتبع ذلك
بخلق السماء، اي خلق الارض ثم الحق السماء بالارض، وبعضهم يقول: "استوى"
قصد، لكن هذه فيها ما فيها لأنها توهم أن مشيئة الله تتجدد وهذا محظور
باطل، مشيئة الله واحدة ازلية ليس له مشيئة بعدد المخلوقات.
وخلق الله الشمس والقمر وسائر النجوم قال تعالى: {ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقًا*وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشمس سراجًا} (سورة
نوح/15-16)، وقال تعالى: {إنَّا زيّنا السمآء الدنيا بزينة الكواكب} (سورة الصافات/6)، وقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ
النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ
مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ}
(سورة الأعراف/54).
أما دحو الأرض فكان بعد خلق السموات وكان ذلك في اليومين الأخيرين من تلك الأيام الستة قال الله جلت قدرته: {ءأنتم أشدّ خلقًا أم السماء بناها*رفع سَمكها فسواها*وأغطش ليلها وأخرج ضحاها*والأرض بعد ذلك دحاها} (سورة النازعات/27-30).
ومعنى دحاها أي وسعها وجعلها صالحةً للسكن بأن أجرى فيها الأنهار والوديان والينابيع قال تعالى: {أمَّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا}، وجعل الله الجبال رواسي قال تعالى: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (سورة النحل/15)، وقال تعالى: {والجبال أرساها} (سورة النازعات/32)، وخلق الله البحار قال تعالى: {وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًًّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (سورة النحل/14) فسبحان الله المتفضل المنعم.
فائدة: الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام مع أن الله جلت قدرته
قادرٌ على خلقها في أقلّ من ذلك تعليم الناس التأنيَ في الأمور والتروي
وعدم الاستعجال. وأما قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}
(سورة يس/82) فليس معناه أن الله خلق الخلق في لحظة، إنما معناه يخلق
العالم بدون تعب ومشقة وبدون ممانع يمانعه وبدون تأخر عن الوقت الذي أراد
وجوده فيه، وليس معنى {أن يقول له كن فيكون} أنه كلما أراد أن
يوجِد شيئًا من مخلوقاته يقول له "كن" أي بهذه الكلمة المركبة من كاف ونون
وهذا غير معقول لأن الله يخلق في اللحظة الواحدة ما لا يدخل تحت الحصر
فكيف يعقل أنه ينطق بعدد كل ما يخلق بهذه الكلمة كن باللغة العربية والله
تعالى كان قبل اللغات، إنما هذا عبارة عن إيجاده تعالى الأشياءَ بدون تعب
كما أن الإنسان يكون أسهل شىء عليه التلفظ بكن لا يعاني منه مشقة، فالله
تعالى ذكر هذا تفهيمًا للمعنى لإفهام الخلق، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي
الله عنه: "القرءان امثال ومواعظ" أي ليس كل القرءان على ظواهره. والحمد
لله رب العالمين
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
قصص الانبياء منذ بداية الخلق (( سيدنا هود عليه السلام ))
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 12:22 am
نبيّ الله هود عليه السلام
قال اللهُ تبارك وتعالى :{وإلى عادٍ أخاهُم هودًا قال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكُم من إلهٍ غيرُهُ أفلاَ تتَّقون} (سورة الأعراف/65).بعد أن نجَّا اللهُ تبارك وتعالى نبيَّهُ نوحًا عليهِ السلام ومن معه في السفينة وأغرقَ الذين كذبوهُ من قومه بالطوفان العظيم الذي عمَّ جميعَ الأرض، نزل الذين ءامنوا من السفينة يعبدون اللهَ تعالى وحدَه ويعْمُرون الأرض، وكثرت الذرية من أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث الذين كانوا على دين ءابائهم الإسلام، وكانوا يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا.
ثم بعد أن طال الزمن عاد الفسادُ والجهل وانتشر في الأرض ورجعَ بعض الناس إلى الإشراكِ باللهِ وعبادةِ غير الله، فبعث اللهُ تبارك وتعالى هودًا، قال تعالى :{كذبت عادٌ المرسلين * إذ قال لهُم أخوهُم هودٌ ألا تتقون * إنّي لكُم رسولٌ أمين} (سورة الشعراء/123-124-125). وقد سماهُ اللهُ أخًا لهم لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين، لأن أخوة الدين لا تكون إلا بين المؤمنين كما قال تعالى :{إنما المؤمنون إخوةٌ} (سروة الحجرات/10).
عددُ المرات الذي ذُكر فيها هود عليه السلام في القرءان
ذُكر هودٌ عليه الصلاة والسلام في القرءان الكريم سبْع مرات، وقد ذكر اللهُ تبارك وتعالى قصته عليه السلام مع قومه مع شىء من التفصيل في سورة الأعراف وسورة هود وسورة المؤمنون وسورة الشعراء وسورة الأحقاف وسورة فصلت.أصله ونسبه عليه السلام
سيدنا هود عليه السلام هو عربيٌّ في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك. وقد جاء في صحيحِ ابن حبان عن أبي ذرّ في حديث طويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال :"وأربعةٌ من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك محمد".مساكن قوم عاد
قال اللهُ تبارك وتعالى في سورة الأحقاف :{واذكر أخا عاد إذ أنذر قومَه بالأحقافِ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألاَّ تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذابَ يومٍ عظيم} (سورة الأحقاف/21).قبيلة عاد قبيلة عربية كانت باليمن، وكانت منازلهم ومساكنهم وجماعتهم أرض الأحقاف، والأحقافُ هي الرمل فيما بين عُمان وحضرموت من أرض اليمن بأرض يقال لها الشِّحر، وقيل كانوا ثلاث عشرة قبيلة وظلموا وقهروا العبادَ بسبب قوتهم التي ءاتاهم الله إياها، فقد زادهم الله في الخِلقة والقوة، وبسَطَ لهم في أجساهم وعظامهم فكانوا طوالاً في أجسامهم وقوامهم، قيل كان أطولُهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراًعا، قال تعالى :{واذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه} (سورة الأعراف/69). وكانوا أصحاب أوثان وأصنام يعبدونها من دون الله، صنم يقال له صداء، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء، قال الله تعالى :{ألم ترَ كيف فعل ربُّك بعاد * أرمَ ذات العماد * التي لم يُخلق مثلها في البلاد} (سورة الفجر/6-7-.
دعوة هود عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحده وما جرى بينه
وبين قومِه من جدال وحسن دعوته إلى الله تعالى
أعطى اللهُ تبارك وتعالى قبيلة عاد نِعمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فقد كانت بلادهم ذات مياة وفيرة فزرعوا الأراضي وأنشأوا البساتين وأشادوا القصور الشامخة العالية، إضافة لما منحهم اللهُ تعالى فوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم وقوة في أبدانهم لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه، فاتخذوا من دونه ءالهةً وعبدوا الأصنام وصاروا يخضعون لها ويتذللون ويقصدونها عند الشدة، فكانوا أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان العظيم الذي عم الأرض وأهلك الكافرين الذين كانوا عليها، فبعث اللهُ تبارك وتعالى إليهم نبيَّه هودًا وكان أحسنهم خُلُقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا، فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يُوحّدوا الله الذي خلقهم ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن ينتهوا ويكفوا عن الظلم والبغي والفساد بين الناس، ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبيَّ الله هودًا عليه الصلاة والسلام وقالوا :{من أشدّ منَّا قوة} (سورة فصلت/15)، وءامن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خوفًا من بطش وظلم قومهم الكافرين المشركين، قال الله تبارك وتعالى :{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون} (سورة فصلت/15)، وقال الله تبارك وتعالى :{وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتقون} (سورة الأعراف/65) المعنى أن هودًا قال لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه إلهًا غيره فإنه ليس لكم إله غيره أفلا تتقون اللهَ ربَّكم فتحذرونه وتخافون عقابَه بعبادتكم غيره وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه، فأجابه قومه بما أخبر اللهُ تبارك وتعالى به {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنُّك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين} (سورة الأعراف/66-67).وبين قومِه من جدال وحسن دعوته إلى الله تعالى
المعنى أن الملأ الذين كفروا وجحدوا توحيد الله وعبدوا الأصنام وأنكروا رسالة هود وكذبوا ما جاء به قالوا له: إنا لنراك يا هود في سفاهة ويريدون بذلك أنك في ضلالة عن الحقّ والصواب بتركك ديننا وعبادة ءالهتنا وإنا لنظنك من الكاذبين في قولك إني رسول من رب العالمين {قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالاتِ ربي وأنا لكم ناصحٌ أمين} (سورة الأعراف/67-68)، أي يا قوم ليس بي سفاهة عن الحق والصواب بل إني على الحق المبين والطريق الصواب، رسول من رب العالمين أرسلني إليكم فأنا أبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، وأنا لكم ناصحٌ فيما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع، فاقْبلوا نصيحتي فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني عليه من الرسالة لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.
قال تعالى :{أو عجبتم أن جآءكم ذِكر من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم} (سورة الأعراف/63). أي عجبتم أن أنزل اللهُ وحيَه بتذكيركم وأرسل نبيه إليكم يدعوكم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، ولينذركم عذابه إن لم تقبلوا دعوته ولم تدخلوا في دينه الإسلام، وقد قال لهم هود هذا منكِرًا عليهم بعد أن استبعدوا أن يبعث اللهُ رسولاً بشيرًا يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون، واعتبروا أن تصديقه في دعواه خسارة وبطلان {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه فاذكروا ءالاءَ الله لعلكم تفلحون} (سورة الأعراف/69)، المعنى اتقوا اللهَ في أنفسكم واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم وكذبوه وكفروا بربهم واستمروا على بَغيهم وتكبرهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض بعدهم لما أهلكهم، فاتقوا الله أن يحل بكم نظير ما حلّ بهم من العقوبة فتهلككم كما أهلكهم ويبدل منكم غيركم سنته في قوم نوح قبلكم على كفرهم وتجبرهم. ثم بيَّن لهم نِعم الله الجليلة عليهم إذ زادهم في الخلق بسطة فزاد في أجسادهم وقوامهم فأمرهم أن يذكروا نعمَ الله عليهم وفضله عليهم في أجسادهم وقوامهم، فيشكروا اللهَ تعالى على ذلكَ بأن يعبدوا الله وحدَه ويخلصوا له العبادة ويتركوا الإشراك وعبادة الأصنام كي يفحلوا.
لكنَّ قوم هود رغمَ هذا البيان المقنع والكلام الناصح من نبيهم هود عليه السلام لم يقبلوا الحق الذي جاء به، وأعلنوا له أنهم لن يتركوا عبادة الأصنام وأنهم يعتقدون أن بعض ءالهتهم غضب عليه فأصابه في عقله فاعتراه جنون بسبب ذلك، كما أنهم استبعدوا إعادتهم يوم القيامة وأنكروا قيام الأجساد بعد أن تصير ترابًا وعظامًا، فقال لهم نبيُّهم هود عليه السلام ما أخبرنا الله به في القرءان الكريم :{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)} (سورة الشعراء). وقال تعالى مخبرًا عن قول هود عليه السلام في موضع ءاخر من القرءان الكريم {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52)} (سورة هود).
فبين لهم سيدنا هود عليه السلام أنَّه لا يَطلُب على نصيحته لهم أجرًا يأخذه منهم أو رئاسة يتزعم بها عليهم، وأنّه لا يطلب الأجر في دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام إلا من الله تبارك وتعالى، ثم قال لهم واعظًا ما معناه أتبنون بكل مكان مرتفع بناءً عظيمًا هائلاً تعبثون ببنائه ولا حاجة لكم فيه وأنتم تسكنون الخيام العظيمة، ثم تتخذون القصور رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارًا طويلة، ثم ذكر لهم أنهم يتجبّرون ويظلمون الناس فأمرهم أن يتقوا الله بأن يدخلوا في دينه ويعبدوا الله وحده ويطيعوه، وذكّرهم بما أنعم الله به عليهم وبما أمدّهم به من أنعام وبنين وما رزقهم من مياه وافرة وبساتين خضراء يانعة يتنعمون بها، وحذرهم من عذاب الله العظيم يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الكفر والشرك،
ولكن قوم هود أصرّوا على كفرهم وعنادهم وقالوا له فيما قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الأوثان والأصنام ونخالف ءاباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه، وقالوا له على وجه التهكم والعناد والاستكبار إن كنت صادقًا فائتنا بما تعدنا من العذاب فإنا لا نصدقك ولا نؤمن بك وقد أخبرنا الله في القرءان بذلك: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)} (سورة المؤمنون)، وقال :{ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)} (سورة هود)، وقال تعالى :{قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} (سورة الشعراء) أي أن هذا الدين الذي نحن عليه إنْ هو إلا دينُ الأولين أي الآباء والأجداد ولن نتحول عنه، فأعلمهم هود عليه السلام أنهم استحقوا الرّجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب الله الشديد الواقع عليهم لا محالة.
قال الله تعالى :{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنّي مَعَكُم مّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)} (سورة الأعراف).
إهلاك عاد وإنزال العذاب بهم لتكذيبهم نبي الله
هودًا عليه السلام
لما تجبّر قوم هود عليه السلام ولم يستجيبوا لدعوة نبيهم هود عليه السلام بل عصوا رسول الله هودًا وكذبوه وجحدوا بآيات الله التي أقامها هود عليه السلام دلالة على صدقه في أنه مرسل من ربّه واتبعوا أمر كل جبار عنيد من ملإ قومهم وأصروا على عبادة الأصنام، أحلَّ الله تبارك وتعالى بهم نِقمته وعذابه في الدنيا بعد أن أنذرهم سيدنا هود عليه السلام بالعذاب القريب الذي ينتظرهم، قال تعالى :{قال رب انصرني بما كذبون (39) قال عما قليل ليصبحنَّ نادمين(10)} (سورة المؤمنون)، وقال تعالى إخبارًا عن هود :{فانتظروا إني معكم من المنتظرين} (سورة الأعراف/71)، فأمسك الله عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجَهد ذكَّرهم هود بدعوة الله وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًّا وعنادًا فازداد العذاب عليهم وصاروا في قَحْط وجفاف شديدين فطلبوا السقيا والمطر وأوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسود وساقه إلى عاد فخرجت عليها من واد فلما رأوها استبشروا أنه سحاب مطر وسُقيا رحمة فإذا هو سحاب عذاب ونقمة قال تعالى :{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} (سورة الأحقاف)، أي أن الله أرسل عليهم ريحًا شديدةً عاتية حملت رحالهم ودوابهم التي في الصحراء وقذفت بها إلى مكان بعيد، فدخل قلوبهم الفزع وهرعوا مسرعين إلى بيوتهم يظنون أنهم ينجون، ولكن هيهات إذ حملتهم هذه الرياح الشديدة وأهلكتهم. وكان بعد ذلك العرب إذا بعثوا وفدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد، روى الإمام أحمد في مسنده أن الحارث بن حسان البكري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :"أعوذُ باللهِ ورسوله أن أكون كوافدِ عاد" الحديث.هودًا عليه السلام
قال الله تعالى في سورة الحاقة :{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ (}.
لقد أرسل الله على قوم هود ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله على القوم الكافرين سبع ليال وثمانية أيام كوامل متتابعات حتى أهلكتهم وصاروا صَرعى، وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رءوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أُمّ رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس، قال الله تبارك وتعالى :{وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم} (سورة الذاريات/41) أي التي لا تنتج خيرًا، وقال تعالى :{ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} (سورة الذاريات/42). أي كالشىء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالمرة، وقال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)} (سورة القمر).
ومن قال إن يوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرءان فإن الله تعالى قال :{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ (16)} (سورة فصلت)، وروى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"نُصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدَّبُورِ".
ولقد نجى الله هودًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين قال تعالى :{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)} (سورة الأعراف)، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)} (سورة هود).
وقد حجّ بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف، قيل بحضرموت في بلاد اليمن، وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنّه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم. وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار، فسبحان الملك العزيز الجبار.
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 12:24 am
مرسى يا كيم على مرورك الحلو ده
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 2:33 am
بارك الله فيكى
روعه بجد
سلسله اول باول بجد روعه
روعه بجد
سلسله اول باول بجد روعه
- mizooمـــــــــشرف وعديت الالفــــــــــــين
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 3877
تاريخ التسجيل : 22/08/2009
العمر : 29
العمل/الترفيه : فاضــــى
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 3:24 am
بجد تحفه يا نونا
تسلمى ياقمر
تسلمى ياقمر
- mizooمـــــــــشرف وعديت الالفــــــــــــين
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 3877
تاريخ التسجيل : 22/08/2009
العمر : 29
العمل/الترفيه : فاضــــى
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 3:29 am
تسلمى يا نونا
موضوع جميل
موضوع جميل
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الأربعاء 01 سبتمبر 2010, 4:28 pm
مرسى يا احمد مرسى يا باسم
مشكورين على مروركم الجميل
مشكورين على مروركم الجميل
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
قصص الانبياء منذ بداية الخلق (( سيدنا صالح عليه السلام ))
الخميس 02 سبتمبر 2010, 4:49 pm
نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام
قال اللهُ تبارك وتعالى :{وإلى ثمودَ أخاهُم صالحًا قال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غيرُهُ} (سورة الأعراف/73).
عددُ المراتِ التي ذُكر فيها نبيُّ اللهِ صالح في القرءان
ذُكر اسم صالح عليه الصلاة والسلام في القرءان تسعَ مرات، وقد ذكر الله تبارك وتعالى بعضًا من قصتهِ وما جرى بينَه وبين قومِه من جدال في سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة النمل، وسورة الحجر، وسورة القمر، وسورة الشمس، وفصلت، والذاريات، والحاقة.
قال اللهُ تبارك وتعالى :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الأعراف/73).
أسكن الله تعالى قبيلة ثمود أرضًا بين الحجاز وتبوك وأسبغ عليهم من نعمه الكثيرة كما أسبغ على قبيلة عاد من قبلهم، ولكنهم لم يكونوا أحسن حالاً من أسلافهم ولم يتَّعِظوا بما حلّ بعاد، ولم يشكروا اللهَ تعالى بعبادتِه واتباع نبيه وتصديقه، بل أشركوا به وعبدوا الأصنام من دون الله وانفتنوا بالنعيم وسعة العيش الذي كانوا فيه.
بعث الله تبارك وتعالى نبيَّه صالحًا وكان من أشرفهم نسبًا وأصفاهم عَقلاً وأوسعهم حلمًا، فدعاهم إلى عبادة الله وحدَه وحضّهم على توحيده وعبادته، وبيّن لهم أن الأوثان والأصنام لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا ولا تُغني عنهم من الله تعالى شيئًا، وقال لهم ما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز :{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ ءالاءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (سورة الأعراف/74).
أي أن الله تبارك وتعالى جعلكم من بعد عاد لتعتبروا بما كان من أمرهم وكيف أهلكهم الله بكفرهم فتعملوا بخلاف عملهم وتشكروا اللهَ بعبادته وحده وترك عبادة الأصنام وتصدقّوا نبيه، وقد أبَاح الله لكم هذه الأرض تَبنون في سُهولها القصور وتنحتون في الجبال بيُوتًا حاذقين في صنعته وإتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكرِ وعبادته وحدَه لا شريك له وإياكُم ومخالفته وترك الإيمان به وتكذيب نبيّه فتكون عاقبة ذلك وخيمة عليكم. وأمرهم عليه السلام أن لا يتبعوا الضالين المسرفين المفسدين الذين يُزينون لهم الضلال والفساد ولا يُريدون الإصلاح، قال الله تعالى في كتابه العزيز مُبينًا ما قال نبيه صالح عليه السلام لقومه ثمود في دعوته لهم إلى الإيمان وعبادة الله وحده وطاعته :{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَهُنَآ ءامِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)} (سورة الشعراء).
فبيَّن سيدُنا صالح لقومه أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلَقَهم وجعلهم عمّار هذه الأرض بعد قوم عاد وجعل لهم في الأرض الزروعَ والثمار فهو الخالقُ والإلهُ والرازق الذي يستحقّ العبادة وحده، وأمرهم أن يقلعوا عن كفرهم وعبادة الأصنام ويعبدوا الله وحده. قال الله تعالى :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (سورة هود/61).
بعد دعوة صالح عليه السلام لقومه كان جوابهم ما أخبرنا اللهُ تعالى في كتابه :{ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفي شكّ مما تدعونا إليه مريب} (سورة هود/62)، أي أننا عهدناك ثاقب الفكر والرأي وها أنت الآن تدعونا إلى ترك ما كان عليه ءاباؤنا، وقيل: إن المعنى إنا كنّا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة أتناهنا عن عبادة كان عليها ءاباؤنا؟ وقد درجنا عليها ونشأنا مستمسكين بها وإننا لفي شكّ مما تدعونا إليه مريب ولا نطمئن إلى قولك ولا نثق بصدق دعوتك ولن نتركَ ما وَجدنا عليه ءاباءنا، وعندما سمع سيدنا صالح عليه السلام ما أجابه به قومه من تكبّر عن اتباع الحقّ ومن إصرار على كفرهم قال لهم ما أخبرنا الله تعالى :{قال يا قوم أرأيتم إن كنتُ على بينة من ربي وءاتني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} (سورة هود/63).
وهذا تلطف منه عليه السلام لقومه في العبارة ولين جانب وأسلوب حسن في الدعوة لهم إلى الخير والإيمان، والمعنى أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم أدعوكم إليه؟ وما هو عذركم عند الله؟ وقد بلّغتكم ما أمرني به ربي أن أبلغكم فماذا يُخلصكم من عذابه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعوتكم إلى عبادته، ودعوَتُكم إلى الإيمان والإسلامِ واجبّ عليّ لو تركته لَمَا قدر أحدٌ منكم ولا من غيركم أن يجيرني من عذاب الله بسبب معصيته على ترك التبليغ. وأخبرهم عليه السلام أنه سيبقى على دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام حتى يحكم الله بينه وبينهم، لكنهم قابلوه بالإيذاء.
ومما ءاذت به ثمود نبيَّهم صالحًا عليه السلام حين دعاهم للإيمان به وبما جاء به أنهم اتهموه بأنه مسحور كما أخبر الله تعالى :{قالوا إنما أنتَ من المسحَّرين} (سورة الشعراء/153) أي أنت من المَسحورين أي أنَّك مسحور لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله تبارك وتعالى وحده، وهذا غاية في تكبرهم عن اتباع الحقّ واتباع دعوة نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام. قال الله تعالى :{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (26)} (سورة القمر).
وعندما أخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام هذه الناقة مع فصيلها بقدرة الله تعالى قال لهم ما أخبرنا الله تعالى :{هذه ناقة الله لكم} (سورة الأعراف/73) أضافها عليه السلام لله تعالى إضافة تشريف وتعظيم وأخبرهم أنها لهم دليل صدق على دعوته عليه السلام، وأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله قال تعالى :{قال هذه ناقة لها شِرب ولكم شِربُ يومٍ معلوم} (سورة الشعراء/155)،
وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذاب وهلاك عظيم، قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :{ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)} (سورة الشعراء).
وقال تعالى في ءاية أخرى حكاية عن نبيه عليه السلام لقومه :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} (سورة الأعراف).
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، فترِدُ الماء يومًا بعد يوم، ويقال إنها كانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، قال الله تعالى :{قال هذه ناقة لها شِرب ولكم شِربُ يومٍ معلوم}.
ولكن جواب المؤمنين من أتباع صالح عليه السلام لم يؤثر في المشركين المستكبرين وظلت قلوبهم قاسية كالأحجار قال الله تعالى :{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ ءامَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)} (سورة الأعراف). ورأى المُستكبرون من قوم نبي الله صالح عليه السلام في هذه الناقة خطَرًا جسيمًا عليهم فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها، قال الله تعالى :{إِنَّا مُرْسِلُواْ النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (سورة القمر).
وقيل إنهم ظلوا مترددين في تنفيذ ما اتفق عليه إلى أن قامت فيهما امرأتان خبيثتان إحداهما اسمها صدوق ابنة المحيا وكانت ذات حسب ومال فعرضت نفسها على رجل يقال له مَصرع بن مهرج إن هو عَقر الناقة وذبحها، وكان اسم الأخرى عنيزة بنت غنيم وكانت عجوزًا كافرةً لها أربع بنات فعرضت على رجل شقيّ خبيث أيضًا اسمه قُدار بن سالف أيّ بناتها يختار إن هو عقر الناقة، فقبل هذانِ الشابان وسَعيا في قومهم لأجل هذا الغرض الخبيث فاستجاب لهم سبعة ءاخرون فصاروا تسعة كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله :{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)} (سورة النمل) فانطلق هؤلاء الرجال الخُبثاء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وِردها رماها أحدهم وهو مصرع بسهم، وجاء النساء يشجعن في قتلها فأسرع أشقاهم وهو قدار بن سالف فشَدَّ عليها بسيفه وكشفَ عن عُرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض مَيتة بعد أن طعنها في لَبَّتِها فنحرها، وأما فصيلها فصعد جبلاً مَنيعًا ثم دخل في صخرة وغاب فيها، روى البخاريّ ومسلم وأحمد بإسنادهم عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة" وقوله "عزيز" أي قليل المثل، وعارم أي كثير الشراسة والشرّ، ومنيع أي ذو مَنَعة، وقال الله تبارك وتعالى :{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} (سورة الأعراف)، وهذا مبلغ العناد والزيغ فلقد رأى قوم صالح عليه السلام هذه المعجزة العظيمة لنبي الله صالح عليه السلام، وهذا البرهان الصادق والدليل القاطع على نبوته وصدقه أمام أعينهم، ولكن حمَلَهم الكفرُ والضلال والعناد وحب الدنيا على رفض الحق واعتناق الباطل، وكان عاقبة هذا العناد والتكبر عن الحق وخيمة عليهم
يقول الله تبارك وتعالى :{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا (13)} (سورة الشمس) أي احذروها ولا تتعرضوا لها ولسقياها {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} (سورة الشمس)، وقال تعالى {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)} (سورة هود).
ثم إنهم اتفقوا على قتله وأهله وتآمروا على ذلك وتحالفوا فيما بينهم وتبايعوا على هذه المؤامرة وأن يغتالوه ليلاً ثم يجحدوا قتله إن طالبهم أولياؤه بدمه، ولكن الله تبارك وتعالى أنقذ نبيَّه من كيدهم وتآمرهم فأرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتله حجارة أهلكتهم تعجيلاً قبل قومهم وردَّ كيدهم في نحورهم، قال الله تبارك وتعالى :{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ ءامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} (سورة النمل).
وبعد إذنار سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام لقومه الذين كذبوا بالعذاب الذي يأتيهم بعد أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام أصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام الإمهال والنظرة ووجوههم مصفرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث وهو يوم السبت ووجوههم مسودّة فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل، فلما كانت صبيحة يوم الأحد تأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ولا يَدرون كيف يفعل بهم ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة من تحتهم ففاضت أرواح هؤلاء الكافرين وزهقت نفوسهم، وسكنت الحركات وهدأت الأصوات، وأصبح هؤلاء الكافرون في ديارهم جاثمين جثثًا هامدة لا أرواح فيها، قال الله تعالى :{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} (سورة الأعراف)، وقال تعالى :{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)} (سورة النمل)، وقال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)} (سورة القمر)، وقال الله تبارك وتعالى :{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (سورة الفجر). وقيل إن قوم صالح عليه السلام لما أصبحوا في اليوم الرابع وهو يوم الأحد وارتفعت الشمس ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم فخرجوا من قبورهم التي كانوا قد دخلوا فيها وصار يدعو بعضهم بعضًا، إذ نزل جبريلُ فوق المدينة فسدّ ضوء الشمس، فلما عاينوه دخلوا قبورهم فصاح بهم صيحة كالصاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم وماتوا وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.
روى الإمام أحمد والحاكم بإسناد حسن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحِجر قال :" لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت (أي الناقة) ترِدُ من هذا الفجّ وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها، وكانت تشرب ماءَهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها مَنْ تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحدًا كان في حرم الله" فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال :"هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه" ورواه أبو داود بنحوه عن ابن عمر.
ثم إن نبي الله صالحًا عليه السلام خاطبهُم بعد هلاكهم قائلاً لهم: لقد جَهدت في دعوتي إياكم إلى الإيمان وترك عبادة الأصنام بكل ما أمكنني، وحَرصت على ذلكَ بكل ما أستطيعُ ولكنكم أبيتُم نُصحي وما دعوتكم إليه لأنكم لا تحبون الناصحين، وهكذا خاطب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أهل قَلِيب بدر الكافرين بعد ثلاث ليال، وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من ءاخر الليل فقال :"يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا" رواه البخاري.
بعد هلاك ثمود الذين كذبوا نبيهم صالحًا عليهم السلام، وقد أنجاه مما أرادوا به وأنقذه والذين ءامنوا من كيد الكافرين، وأنزل بالكافرين في الدنيا العقاب الأليم تصديقًا لوعده ونصرًا لنبيه، ولم يمنع الكفار ما شَادوا من قصور شامخة وما جمعوا من أموال وافرة وما نحتوا من بيوت ءامنة، قال تعالى :{وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون} (سورة النمل/53)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَءاتَيْنَاهُمْ ءايَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ءامِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (84)} (سورة الحِجر)، وقال تعالى :{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)} (سورة هود).
ويقال إن صالحًا عليه السلام انتقل إلى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات. وقد ورد في مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرّ النبي بوادي عُسفان حين حجّ قال:" يا أبا بكر أي واد هذا" قال: وادي عسفان، قال :"لقد مرَّ به هود وصالح (عليهما السلام) على بكرات خطمها الليف أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق".
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما بالإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَهريقوا ما استقوا من بيارهم وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، وثبت أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام لما مر بالحِجر قال :"لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكينَ أن يصيبكم ما أصابهم" ثم تقنَّع بردائِه وهو على الرحل"، رواه الشيخان.
قال اللهُ تبارك وتعالى :{وإلى ثمودَ أخاهُم صالحًا قال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غيرُهُ} (سورة الأعراف/73).
عددُ المراتِ التي ذُكر فيها نبيُّ اللهِ صالح في القرءان
ذُكر اسم صالح عليه الصلاة والسلام في القرءان تسعَ مرات، وقد ذكر الله تبارك وتعالى بعضًا من قصتهِ وما جرى بينَه وبين قومِه من جدال في سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة النمل، وسورة الحجر، وسورة القمر، وسورة الشمس، وفصلت، والذاريات، والحاقة.
نسبُ نبي الله صالح عليه السلام وقبيلته ثمود
قيل في نسبه عليه السلام إنّه صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وقد أرسل الله تعالى نبيَّه صالحًا إلى ثمودَ وهم قبيلة مشهورة سميت باسم جدّهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهم من العرب الذين كانوا يسكنون الحِجر الذي هو بين الحجاز والأردن، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، وما زالت ءاثارهم باقية هناك تعرف باسم "مدائن صالح".مساكن ثمود وماذا كانوا يعبدون وإرسال نبي الله صالح
لدعوتهم إلى الإيمان وترك عبادة الأوثان
لدعوتهم إلى الإيمان وترك عبادة الأوثان
قال اللهُ تبارك وتعالى :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الأعراف/73).
أسكن الله تعالى قبيلة ثمود أرضًا بين الحجاز وتبوك وأسبغ عليهم من نعمه الكثيرة كما أسبغ على قبيلة عاد من قبلهم، ولكنهم لم يكونوا أحسن حالاً من أسلافهم ولم يتَّعِظوا بما حلّ بعاد، ولم يشكروا اللهَ تعالى بعبادتِه واتباع نبيه وتصديقه، بل أشركوا به وعبدوا الأصنام من دون الله وانفتنوا بالنعيم وسعة العيش الذي كانوا فيه.
بعث الله تبارك وتعالى نبيَّه صالحًا وكان من أشرفهم نسبًا وأصفاهم عَقلاً وأوسعهم حلمًا، فدعاهم إلى عبادة الله وحدَه وحضّهم على توحيده وعبادته، وبيّن لهم أن الأوثان والأصنام لا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا ولا تُغني عنهم من الله تعالى شيئًا، وقال لهم ما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز :{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ ءالاءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (سورة الأعراف/74).
أي أن الله تبارك وتعالى جعلكم من بعد عاد لتعتبروا بما كان من أمرهم وكيف أهلكهم الله بكفرهم فتعملوا بخلاف عملهم وتشكروا اللهَ بعبادته وحده وترك عبادة الأصنام وتصدقّوا نبيه، وقد أبَاح الله لكم هذه الأرض تَبنون في سُهولها القصور وتنحتون في الجبال بيُوتًا حاذقين في صنعته وإتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكرِ وعبادته وحدَه لا شريك له وإياكُم ومخالفته وترك الإيمان به وتكذيب نبيّه فتكون عاقبة ذلك وخيمة عليكم. وأمرهم عليه السلام أن لا يتبعوا الضالين المسرفين المفسدين الذين يُزينون لهم الضلال والفساد ولا يُريدون الإصلاح، قال الله تعالى في كتابه العزيز مُبينًا ما قال نبيه صالح عليه السلام لقومه ثمود في دعوته لهم إلى الإيمان وعبادة الله وحده وطاعته :{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَهُنَآ ءامِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (152)} (سورة الشعراء).
فبيَّن سيدُنا صالح لقومه أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلَقَهم وجعلهم عمّار هذه الأرض بعد قوم عاد وجعل لهم في الأرض الزروعَ والثمار فهو الخالقُ والإلهُ والرازق الذي يستحقّ العبادة وحده، وأمرهم أن يقلعوا عن كفرهم وعبادة الأصنام ويعبدوا الله وحده. قال الله تعالى :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (سورة هود/61).
بعد دعوة صالح عليه السلام لقومه كان جوابهم ما أخبرنا اللهُ تعالى في كتابه :{ قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفي شكّ مما تدعونا إليه مريب} (سورة هود/62)، أي أننا عهدناك ثاقب الفكر والرأي وها أنت الآن تدعونا إلى ترك ما كان عليه ءاباؤنا، وقيل: إن المعنى إنا كنّا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة أتناهنا عن عبادة كان عليها ءاباؤنا؟ وقد درجنا عليها ونشأنا مستمسكين بها وإننا لفي شكّ مما تدعونا إليه مريب ولا نطمئن إلى قولك ولا نثق بصدق دعوتك ولن نتركَ ما وَجدنا عليه ءاباءنا، وعندما سمع سيدنا صالح عليه السلام ما أجابه به قومه من تكبّر عن اتباع الحقّ ومن إصرار على كفرهم قال لهم ما أخبرنا الله تعالى :{قال يا قوم أرأيتم إن كنتُ على بينة من ربي وءاتني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} (سورة هود/63).
وهذا تلطف منه عليه السلام لقومه في العبارة ولين جانب وأسلوب حسن في الدعوة لهم إلى الخير والإيمان، والمعنى أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم أدعوكم إليه؟ وما هو عذركم عند الله؟ وقد بلّغتكم ما أمرني به ربي أن أبلغكم فماذا يُخلصكم من عذابه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعوتكم إلى عبادته، ودعوَتُكم إلى الإيمان والإسلامِ واجبّ عليّ لو تركته لَمَا قدر أحدٌ منكم ولا من غيركم أن يجيرني من عذاب الله بسبب معصيته على ترك التبليغ. وأخبرهم عليه السلام أنه سيبقى على دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام حتى يحكم الله بينه وبينهم، لكنهم قابلوه بالإيذاء.
ومما ءاذت به ثمود نبيَّهم صالحًا عليه السلام حين دعاهم للإيمان به وبما جاء به أنهم اتهموه بأنه مسحور كما أخبر الله تعالى :{قالوا إنما أنتَ من المسحَّرين} (سورة الشعراء/153) أي أنت من المَسحورين أي أنَّك مسحور لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله تبارك وتعالى وحده، وهذا غاية في تكبرهم عن اتباع الحقّ واتباع دعوة نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام. قال الله تعالى :{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (26)} (سورة القمر).
معجزةُ نبيّ الله صالح عليه الصلاة والسلام الباهرة
استمرّ سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الإيمان، واستمرّ قومه على عنادهم وتكبرهم من اتباع الحق، ولما وجدوا منه استمساكًا برأيه وإصرارًا على دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام خاف المستكبرون من قومه أن يكثر أتباعه وأن ينصرفوا عنهم إليه، وفي ذلك ذهاب لسلطانهم وتفتيت لقوتهم، فأرادوا أن يظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه وهذا من خبث نفوسهم وظلام قلوبهم عن اتباع الحق، فطلبوا منه معجزة تكون دليلاً على صدقه وقالوا له: أخرِجْ لنا من هذه الصخرة (وأشاروا إلى صخرة كانت هناك) ناقةً ومعها ولدها وصفتها كيت وكيت وذكروا لها أوصافًا، وقالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقةً ومعها ابنها ءامنّا بك وصدقناك، فأخذ سيدنا صالح عليه السلام عليهم عهودهم ومواثيقهم على ذلك، وقام وصلى للهِ تبارك وتعالى ثم دعا ربَّه عز وجلّ أن يُعينه ويجيبه إلى ما طلب قومه فاستجاب الله دعوتَه فأخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام بقدرة الله ناقةً ومعها ولدها من الصخرة الصماء. فقد أمر الله هذه الصخرةَ أن تَنفطر عن ناقة عظيمة طويلة فيها الصفات التي طلبوها ومعها ابنها، فلما رأى قومُه هذا الأمر الخارق للعادة الذي فيه الدليل القاطع والبرهانُ الساطع على صدق سيدنا صالح عليه السلام ءامن قسم منهم ومنهم جندع بن عمرو وكان من رؤسائهم ومعه رَهط من قومه، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم، وقد صدهم عن الإيمان دؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم وغيرهما.وعندما أخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام هذه الناقة مع فصيلها بقدرة الله تعالى قال لهم ما أخبرنا الله تعالى :{هذه ناقة الله لكم} (سورة الأعراف/73) أضافها عليه السلام لله تعالى إضافة تشريف وتعظيم وأخبرهم أنها لهم دليل صدق على دعوته عليه السلام، وأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله قال تعالى :{قال هذه ناقة لها شِرب ولكم شِربُ يومٍ معلوم} (سورة الشعراء/155)،
وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذاب وهلاك عظيم، قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :{ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)} (سورة الشعراء).
وقال تعالى في ءاية أخرى حكاية عن نبيه عليه السلام لقومه :{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} (سورة الأعراف).
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، فترِدُ الماء يومًا بعد يوم، ويقال إنها كانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، قال الله تعالى :{قال هذه ناقة لها شِرب ولكم شِربُ يومٍ معلوم}.
تآمر قوم صالح عليه السلام على قتل ناقة صالح عليه السلام
مكَثت ناقةُ صالح عليه الصلاة والسلام في قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وترِدُ الماء للشرب يومًا وتمتنعُ منه يومًا، ممّا استمال كثيرًا من قومه عليه السلام إذ استبانوا بها على صدق رسالة نبيّهم صالح عليه السلام وأيقنوا بذلك، مما أفزع ذلك المستكبرين من قومه وخافُوا على سلطانهم أن يزول وقالوا للمستضعفين الذين أشرق نور الإيمان في قلوبهم ما أخبرنا الله تعالى في كتابه :{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ (75)} (سورة الأعراف)، فأجابوهم {قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)} (سورة الأعراف)، ولكن جواب المؤمنين من أتباع صالح عليه السلام لم يؤثر في المشركين المستكبرين وظلت قلوبهم قاسية كالأحجار قال الله تعالى :{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ ءامَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)} (سورة الأعراف). ورأى المُستكبرون من قوم نبي الله صالح عليه السلام في هذه الناقة خطَرًا جسيمًا عليهم فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها، قال الله تعالى :{إِنَّا مُرْسِلُواْ النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} (سورة القمر).
وقيل إنهم ظلوا مترددين في تنفيذ ما اتفق عليه إلى أن قامت فيهما امرأتان خبيثتان إحداهما اسمها صدوق ابنة المحيا وكانت ذات حسب ومال فعرضت نفسها على رجل يقال له مَصرع بن مهرج إن هو عَقر الناقة وذبحها، وكان اسم الأخرى عنيزة بنت غنيم وكانت عجوزًا كافرةً لها أربع بنات فعرضت على رجل شقيّ خبيث أيضًا اسمه قُدار بن سالف أيّ بناتها يختار إن هو عقر الناقة، فقبل هذانِ الشابان وسَعيا في قومهم لأجل هذا الغرض الخبيث فاستجاب لهم سبعة ءاخرون فصاروا تسعة كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله :{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48)} (سورة النمل) فانطلق هؤلاء الرجال الخُبثاء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وِردها رماها أحدهم وهو مصرع بسهم، وجاء النساء يشجعن في قتلها فأسرع أشقاهم وهو قدار بن سالف فشَدَّ عليها بسيفه وكشفَ عن عُرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض مَيتة بعد أن طعنها في لَبَّتِها فنحرها، وأما فصيلها فصعد جبلاً مَنيعًا ثم دخل في صخرة وغاب فيها، روى البخاريّ ومسلم وأحمد بإسنادهم عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة والذي عقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة" وقوله "عزيز" أي قليل المثل، وعارم أي كثير الشراسة والشرّ، ومنيع أي ذو مَنَعة، وقال الله تبارك وتعالى :{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} (سورة الأعراف)، وهذا مبلغ العناد والزيغ فلقد رأى قوم صالح عليه السلام هذه المعجزة العظيمة لنبي الله صالح عليه السلام، وهذا البرهان الصادق والدليل القاطع على نبوته وصدقه أمام أعينهم، ولكن حمَلَهم الكفرُ والضلال والعناد وحب الدنيا على رفض الحق واعتناق الباطل، وكان عاقبة هذا العناد والتكبر عن الحق وخيمة عليهم
يقول الله تبارك وتعالى :{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا (13)} (سورة الشمس) أي احذروها ولا تتعرضوا لها ولسقياها {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} (سورة الشمس)، وقال تعالى {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)} (سورة هود).
تآمرهم واتفاقهم على قتل نبي الله صالح وإنزال العذاب عليهم
بَعد أن عقر قوم صالح عليه السلام الناقةَ التي حذرهم نبيُّهم من التعرض لها واستمروا على عنادهم وتكبرهم وعبادة الأصنام، قال لهم صالح عليه السلام لقد حذّرتكم من أن تمسوها بأذى وها أنتم اقترفتم الإثم فتمتعوا في داركم ثلاثة أيام يأتيكم بعدها العذابُ ويحلُّ عليكم العقابُ ذلك وعدٌ غير مكذوب، ورغم هذا لم يتوبوا ويعودوا إلى الرشد، بل استمروا على باطلهم وظنوا وعيدَه كذبًا وتحذيرَه بُهتانًا وقالوا له: تشاءمنا بك وبمن معك، قال الله تعالى :{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)} (سورة الأعراف).ثم إنهم اتفقوا على قتله وأهله وتآمروا على ذلك وتحالفوا فيما بينهم وتبايعوا على هذه المؤامرة وأن يغتالوه ليلاً ثم يجحدوا قتله إن طالبهم أولياؤه بدمه، ولكن الله تبارك وتعالى أنقذ نبيَّه من كيدهم وتآمرهم فأرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتله حجارة أهلكتهم تعجيلاً قبل قومهم وردَّ كيدهم في نحورهم، قال الله تبارك وتعالى :{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ ءامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} (سورة النمل).
وبعد إذنار سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام لقومه الذين كذبوا بالعذاب الذي يأتيهم بعد أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام أصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام الإمهال والنظرة ووجوههم مصفرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث وهو يوم السبت ووجوههم مسودّة فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل، فلما كانت صبيحة يوم الأحد تأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ولا يَدرون كيف يفعل بهم ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ورجفة من تحتهم ففاضت أرواح هؤلاء الكافرين وزهقت نفوسهم، وسكنت الحركات وهدأت الأصوات، وأصبح هؤلاء الكافرون في ديارهم جاثمين جثثًا هامدة لا أرواح فيها، قال الله تعالى :{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)} (سورة الأعراف)، وقال تعالى :{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)} (سورة النمل)، وقال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)} (سورة القمر)، وقال الله تبارك وتعالى :{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (سورة الفجر). وقيل إن قوم صالح عليه السلام لما أصبحوا في اليوم الرابع وهو يوم الأحد وارتفعت الشمس ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم فخرجوا من قبورهم التي كانوا قد دخلوا فيها وصار يدعو بعضهم بعضًا، إذ نزل جبريلُ فوق المدينة فسدّ ضوء الشمس، فلما عاينوه دخلوا قبورهم فصاح بهم صيحة كالصاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم وماتوا وتزلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.
روى الإمام أحمد والحاكم بإسناد حسن أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحِجر قال :" لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت (أي الناقة) ترِدُ من هذا الفجّ وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم فعقروها، وكانت تشرب ماءَهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها مَنْ تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحدًا كان في حرم الله" فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال :"هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه" ورواه أبو داود بنحوه عن ابن عمر.
ثم إن نبي الله صالحًا عليه السلام خاطبهُم بعد هلاكهم قائلاً لهم: لقد جَهدت في دعوتي إياكم إلى الإيمان وترك عبادة الأصنام بكل ما أمكنني، وحَرصت على ذلكَ بكل ما أستطيعُ ولكنكم أبيتُم نُصحي وما دعوتكم إليه لأنكم لا تحبون الناصحين، وهكذا خاطب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أهل قَلِيب بدر الكافرين بعد ثلاث ليال، وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من ءاخر الليل فقال :"يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًّا" رواه البخاري.
بعد هلاك ثمود الذين كذبوا نبيهم صالحًا عليهم السلام، وقد أنجاه مما أرادوا به وأنقذه والذين ءامنوا من كيد الكافرين، وأنزل بالكافرين في الدنيا العقاب الأليم تصديقًا لوعده ونصرًا لنبيه، ولم يمنع الكفار ما شَادوا من قصور شامخة وما جمعوا من أموال وافرة وما نحتوا من بيوت ءامنة، قال تعالى :{وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون} (سورة النمل/53)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَءاتَيْنَاهُمْ ءايَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ءامِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (84)} (سورة الحِجر)، وقال تعالى :{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)} (سورة هود).
ويقال إن صالحًا عليه السلام انتقل إلى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات. وقد ورد في مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرّ النبي بوادي عُسفان حين حجّ قال:" يا أبا بكر أي واد هذا" قال: وادي عسفان، قال :"لقد مرَّ به هود وصالح (عليهما السلام) على بكرات خطمها الليف أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق".
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما بالإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَهريقوا ما استقوا من بيارهم وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، وثبت أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام لما مر بالحِجر قال :"لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكينَ أن يصيبكم ما أصابهم" ثم تقنَّع بردائِه وهو على الرحل"، رواه الشيخان.
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الخميس 02 سبتمبر 2010, 5:30 pm
تسلم ايدك يا نونا يا عسل
تكمله روعه للسلسله
تكمله روعه للسلسله
- نبــــ مؤمن ـــض............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 162
تاريخ التسجيل : 26/08/2010
العمر : 34
العمل/الترفيه : عبد لله
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الخميس 02 سبتمبر 2010, 6:14 pm
ستكتب كلماتى ما ينبضه أعجابى
لن أترك قلمى الوحيد يتوقف
سيكتب ويرسم ويقول
جزاك الله خيرا عنا
وجعله فى ميزان حسناتك
لن أترك قلمى الوحيد يتوقف
سيكتب ويرسم ويقول
جزاك الله خيرا عنا
وجعله فى ميزان حسناتك
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
قصص الانبياء منذ بداية الخلق (( سيدنا ابراهييم عليه السلام ))
السبت 04 سبتمبر 2010, 11:38 pm
نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} (سورة مريم/41)، وقال تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/51).
نسب إبراهيم عليه الصلاة والسلام
هو إبراهيم بن تارخ (وهو ءازر) بن ناخور بن ساروغ بن ارغو بن فالَع بن غابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، وقيل: إن إبراهيم عليه السلام كان يكنى أبا الضِّيفان لأنه كان مضيافًا كثير الكرم لمن استضافه.
كان أهلُ بابل في العراق يتنعمون برغد العيش ويتفيئون ظِلال النعم الكثيرة التي أنعمها الله عليهم، ولكنهم كانوا يتخبطون في دياجير الظلم ويتَردّون في وهاد الضلال والكفر، فقد نحتوا بأيديهم الأصنام واتخذوها من دون الله ءالهة وعكفوا على عبادتها، وكان عليهم حاكم ظالم مُستبدّ يقال له نُمرود بن كنعان بن كوش، قيل هو الضحاك وقيل غيره، وكان أحد الملوك الذين ملكوا الأرض وأحاط ملكه مشارق الأرض ومغاربها، فلما رأى ما هو عليه من الزعامة وما يتمتعُ به من سطوة المُلك وقوة السلطان، ورأى ما أطبق على قومه من الجهل والفساد ادعى الألوهية ودعا قومه إلى عبادته، وقيل: كان قوم إبراهيم يعبدون الكواكب السبعة وكان لهم أصنام بشكل الشمس والقمر وأصنام بشكل الكواكب.
مولد إبراهيم عليه السلام
في وسط هذه البيئة المنحرفة وفي زمن وعهد هذا الملِك الجبار الكافر النمرود كان مولدُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي موضع ولادته عليه السلام خلاف قيل: ولد بالسُّوس من أرض الأهواز، وقيل: ولد ببابل وهي أرض الكلدانيين، وقيل: بحران، وقيل: بغُوطة دمشق في قرية يقال لها بَرزة في جبل يقال له قاسيون، والمشهور عند أهل السير والتاريخ أنه ولد ببابل.
قال أهل التواريخ في السير: إنّه لما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام وأن يجعله حجة على قومه نبيًّا ورسولاً إليهم، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هودًا وصالحًا عليهما السلام، ولما تقارب زمان إبراهيم أتى المنجّمون إلى هذا الملِك نمرود وقالوا له: اعلم أنا نجد في علمنا أن غلامًا يُولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارقُ دينكم ويكسرُ أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود هذا إلى كل امرأة حُبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم زوجة ءازر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل هذا الملك الطاغية لا تلدُ امرأةٌ غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذُبح، فلما وجدت أمّ إبراهيم عليه السلام الطَّلْق خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود، ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، كانت تزوره وتطالعه في المغارة لتنظر ما فعل، فكان يشبّ في اليوم ما يشبُّ غيرُه في الشهر وكانت تأتي فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، فقد جُعل رزقُ إبراهيم عليه السلام في إبهامه فيما يجيئه من مصّه، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسةَ عشَر شهرًا، ثم ترعرع وكَبرَ واصطفاه اللهُ تعالى لحمل رسالته وإبانة الحقّ ودعاء قومه إلى عبادة الله وحدَه وإلى العقيدة الصافية من الدنس والشرك، وإلى ترك عبادة الكواكب والأصنام وإلى الدخول في دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء.
عدد المرات التي ذكر فيها إبراهيم عليه السلام في القرءان
ذكرت قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدّة مواضع من القرءان، تارة باختصار وتارة بالتطويل وتارة بذكر شأن من شئونه في سورة، ثم شأن ءاخر من شئونه في سورة أخرى.
وقصة إبراهيم عليه السلام تَرتبط بها قصص أخرى كقصة لوط، لأن إبراهيم ولوطًا كانا متعاصرين، ونبي الله لوط هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد ءامن لوط بعمّه إبراهيم كما قال تعالى :{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} (سورة العنكبوت/26).
نبوة إبراهيم ورسالته ونشأته
على الإيمان وعدم شكّه بالله تعالى وبقدرته
اختارَ الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام وجعله نبيًّا رسولاً واصطفاه لهداية قومه ودعوتهم إلى دين الإسلام وتوحيد الله وترك عبادة الكواكب والأصنام التي لا تخلق شيئًا ولا تستحق العبادة، لأن الذي يستحقّ العبادة وحده هو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء.
وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مسلمًا مؤمنًا عارفًا بربّه معتقدًا عقيدة التوحيد مُنزّهًا ربَّه عن مشابهة المخلوقات، ومُدركًا أن هذه الأصنام التي يعبدها قومُه لا تُغني عنهم من الله شيئًا، وأنَّها لا تضرّ ولا تنفع لأن الضارّ النافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده. يقول الله تبارك وتعالى في حق إبراهيم عليه السلام :{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة ءال عمران/67)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/51).
ولقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام مفعم النفس بالإيمان بربه وعارفًا به ممتلىء الثقة بقدرة الله وأن الله تعالى قادر على كل شىء لا يعجزة شىء، وكان غير شاكّ ولا مُرتاب بوجود الله سبحانه مؤمنًا بما أوحي إليه من بَعث الناس بعد موتهم يوم القيامة وحسابهم في الحياة الأخرى على أعمالهم وما قدموا في هذه الحياة الدنيا.
فائدة: قال الله تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة البقرة/260).
ومعناه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مؤمنًا ومصدّقًا بقلبه تصديقًا جازمًا لا ريب فيه أن الله تبارك وتعالى قادرٌ على إحياء الموتى وإعادة الخلق يوم القيامة، ولكنه أراد أن يزداد بصيرةً ويقينًا فسأل الله تعالى أن يُريه كيف يحيي الموتى بعد مَوتهم، وقول الله تعالى :{أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي أنا مؤمن غير شاكّ ولا مُرتاب ولكن تاقت نفسي لأن أرى بعينيَّ ليطمئنَّ قلبي ويزداد يقيني، فمعنى قول إبراهيم "ليطمئن قلبي" أي ليطمئنَّ قلبي بإجابة طلبي، لأنَّه من الجائز أن يعطي الله تعالى بعض الأنبياء جميعَ ما طلب أو أن يعطيَه بعضَ ما طلب ولا يعطيه بعضًا، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرفُ خَلق الله وأكرمُهم على الله ما أُعطي جميعَ ما طلب، بل أُعطي بعضَ ما طلب ومُنع بعض ما طلب، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ما كان جازمًا وقاطعًا في نفسه بأن الله يعطيه ما سأل، لكنَّه كان مُؤمنًا بأن الله تبارك وتعالى قادرٌ على ذلك، لكن كان عنده احتمال أن الله يريه كيف يحيي الموتى واحتمال أنّه لا يريه، فأجابَ الله تبارك وتعالى سؤال إبراهيم عليه السلام وأمرَه أن يأخذ أربعةً من الطير ويتعرف على أجزائها ثم يُفرقها أشلاء وأجزاء ويجعل على كل جبل منهنّ جُزءًا ثم يدْعوهنَّ إليه فيأتينه سعيًا بإذن الله،
فلمَّا فعل إبراهيمُ خليلُ الرحمنِ ما أمره الله تعالى صارَ كلُّ جُزءٍ ينضمّ إلى مثلهِ وعادت الأشلاء والأجزاء كما كانت وعادت الروحُ إلى كل طير، ورجعت الطيور الأربعة بقدرة الله تعالى ومشيئته إلى إبراهيم عليه السلام، وهو يرى ءايات الله البينات وءاثار قدرته العظيمة التي تدل أنه تعالى لا يعجزه شىء في الأرض ولا في السماء فتبارك الله أحسن الخالقين أي أحسن المقدّرين.
دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه ءازَر إلى دين الإسلام
بالحكمة والموعظة الحسنة
ذكر أهل التواريخ أن إبراهيم انطلق بزوجته سارة وابن أخيه لوط فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين وهي بلاد بيت المقدس، فنزلوا حران وكان أهلها يعبدون الكواكب السبعة، فقام الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو قومَه إلى دين الله تبارك وتعالى وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وكان أول دعوته لأبيه ءازر الذي كان مُشركًا يصنعُ الأصنامَ ويعبدُها ويبيعها للناس ليعبدوها فدعاه إلى عبادة الله وحده وإلى دين الحقّ الإسلام بألطف عبارة وبأحسن بيان وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} (سورة مريم)، وقال تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (سورة الأنعام/74).
ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات ما كان جرى بين إبراهيم وأبيه من المحاورة والجدال في دعوته إلى عبادة الله وحده، وكيف دعا أباه إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبيّن له بُطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تُغني عنه شيئًا أو تفعل به خيرًا من رزق أو نصر فهي لا تضر ولا تنفع، وأعلمه بأن الله قد أعطاه من الهُدى والعلم النافع فدعاه إلى اتباعه وإن كان أصغر سنًّا من أبيه لأن اتباعه ودخوله في دين الإسلام وعبادة الله وحده هو الطريق المستقيم السويّ الذي يفضي إلى الخير في الدنيا والآخرة. ثم بيَّن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه أنه بعبادته للأصنام يكونُ منقادًا للشيطان الخبيث الفاجر الذي لا يُحِبّ للناس الخير بل يريد لهم الهلاك والضلال ولا يستطيع أن يدفع عنه عذاب الله ولا أن يردّ عنه عقوبته وسخطه يقول الله تعالى :{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (سورة فاطر/6).
لم يقبل ءازر نصيحة نبي الله إبراهيم ولم يستجب لدعوته بل استكبر وعاندَ وتوعدَ وهدّد ابنَه إبراهيم بالشرّ والرجم والقتل وقال له ما أخبرنا الله تعالى عنه في القرءان :{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءالِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)} (سورة مريم) فعندها قال له إبراهيم ما حكاه الله عنه :{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} (سورة مريم) أي سَلام عليك لا يصِلك مني مكروه ولا ينالك مني أذى، وزاده بأن دعا له بالخير فقال :{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} (سورة مريم).
ومعنى قوله :{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} أي سأطلب من الله أن يغفر لك كفرَك بالدخول في الإسلام وليس معناه إني أطلب لك باللفظ كما يستغفر المسلم للمسلم بقوله: الله يغفر لك أو أستغفرُ اللهَ لك، ومعنى قوله :{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} أي لطيفًا يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ولهذا قال ما حكاه الله عنه في كتابه العزيز :{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)} (سورة مريم)،
وقد استغفرَ إبراهيمُ لأبيه ءازر على المعنى الذي ذكرناه سابقًا كما وعده إبراهيم في أدعيته فلما تبين له أنّه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى :{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ (114)} (سورة التوبة) أي لما علم أنه لا يسلم بل يموت على الكفر تبرأ منه.
دعوةُ إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحدَه وإقامة الحجّة
على قومه في أن الكواكب والأصنام التي يعبدونها لا تصلح للعبادة وبيان أن إبراهيم لم يكن يعبد الكواكب
هذه الغلظة والاستكبار من والد إبراهيم عليه السلام لم تُقعده وتمنعه من متابعة دعوته إلى الله سبحانه وتعالى ولم تثنه عدم استجابة أبيه لنصحه ودعوته إلى عبادة الله وحده عن متابعة دعوته لقومه إلى هذا الدين الحقّ وترك عبادة الكواكب والأصنام.
وأراد إبراهيم عليه السلام أن يُبيّن لقومه أن عبادةَ الكواكب باطلة وأنها لا تصلح للعبادةِ أبدًا لأنها مخلوقة مُسخّرة مُتغيّرة تطلع تارة وتغيب تارة أخرى، وأنها تتغير من حال إلى حال وما كان كذلك لا يكون إلهًا، لأنها بحاجة إلى مَن يُغيّرها وهو الله تبارك وتعالى الدائمُ الباقي الذي لا يتغير ولا يزول ولا يفنى ولا يموت، لا إله إلا هو ولا رب سواه، فبيّن إبراهيمُ عليه السلام لقومه أولاً أن الكوكب لا يصلح للعبادة ثم انتقل إلى القمر الذي هو أقوى ضوءًا منه وأبهى حسنًا، ثم انتقل إلى الشمس التي هي أشدّ الأجرام المشاهدة ضياء ونورًا، فبين أنها ذات حجم وحدود وأنها متغيرة تشرق وتغرب وإذا كانت متغيرة فلا تصلح للألوهية لأنها بحاجة إلى من يُغيرها ويحفظُ عليها وجودها وهو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء ومدبر أمر هذا العالم.
قال الله تبارك وتعالى :{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا (80)} (سورة الأنعام).
وأما معنى قولِ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن الكوكب حين رءاه {هذا ربي} فهو على تقدير الاستفهام الإنكاريّ فكأنه قال: أهذا ربي كما تزْعمون؟! لذلكَ لما غاب الكوكب قال :{لا أحبّ الآفلين} أي لا يصلح أن يكونَ هذا الكوكب ربًّا لأنه يأفلُ ويتغيرُ فكيفَ تعتقدون ذلك، ولما لم يفهموا مقصوده وظلوا على ما كانوا عليه، قال حين رأى القمر مثل ذلك فلما لمْ يجدْ منهم بُغيتَه أظهرَ لهم أنه بريء من عبادته أي من عبادة القمر لأنه لا يصلح للعبادة ولا للرُّبوبية، ثم لما أشرقت الشمسُ وظهرت قال لهم مثلَ ذلك، فلمَّا لم يرَ منهم بغيتَه أيضًا وأنّهم أصحابُ عقولٍ سقيمةٍ وقلوبٍ مظلمةٍ مُستكبرةٍ أيسَ منهم وأظهر براءتَه من هذا الإشراك الذي وقعوا به وهو عبادة غير الله تعالى، وأمّا إبراهيمُ عليه السلامُ فهو رسول اللهِ ونبيّه فقد كان مؤمنًا عارِفًا بربّه كجميع الأنبياءِ لا يشكّ بوجودِ اللهِ طرفةَ عين، وكان يعلم أن الربوبية لا تكون إلا لله وأنه لا خالقَ إلا الله ولا معبودَ بحقّ إلا الله. ولم يكن كما يفتري عليه بعض أهل الجهل والضلال من قولهم إنه مرّ بفترات وأوقات شكّ فيها بوجود الله، لأن الأنبياء والرسل جميعهم يستحيلُ عليهم الكفرُ والضلال قبل النبوة وبعدها، لأنهم بُعثوا هداة مهتدين ليعلموا الناس الخير وما أمرهم الله بتبليغه، فقد كان إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ قبل مناظرته لقومه وإقامة الحجّة عليهم وقبل دعوتهم إلى الإسلام والإيمان يعلمُ علمًا يقينًا لا شكّ فيه أنّ له ربًّا وهُوَ اللهُ تبارك وتعالى الذي لا يشبه شيئًا وخالقُ كلّ شىء،
وأن الألوهيةَ والرُّبوبيةَ لا تكونُ إلا لله خالق السموات والأرضِ وما فيهما وهو مالكُ كل شىء وقادر على كل شىء وعالم بكل شىء ونافذُ المشيئة في كل شىء، والدليلُ على ذلكَ من القرءان قوله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51)} (سورة الأنبياء)، وقوله تعالى :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} (سورة الأنعام)، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيمَ بعد أن أقامَ إبراهيمُ الحجةَ على قومِه وأفحمهم :{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} (سورة الأنعام).
والظاهرُ أن موعظةَ إبراهيم هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كانوا يعبدونها، أما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنامَ وهم الذينَ ناظرهُم في عبادتها، وكسرها وأهانها وبيّن بطلان عبادتها كما قال اللهُ تعالى :{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)} (سورة الأنبياء).
ولقد سألَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام قومَه ليُقيم الحجةَ عليهم أيضًا مستنكرًا إن كانت الأصنامُ تسمعُ دعاءَهم أو تنفعُ أو تضرّ فقالوا له ما حكاهُ اللهُ تعالى عنهم :{بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} (سورة الأنبياء).
فقد سلّموا له أن هذه الأصنام التي يَعبدونها من دون اللهِ لا تسمعُ داعيًا ولا تنفعُ ولا تضر شيئًا، ثم أخذَ يبينُ لهُم بديعَ صنع اللهِ تعالى وعظيم قدرتهِ ليلمسوا الفرقَ الواضحَ بين عبادة إبراهيم لله الحقة وبين عبادتهم للأصنامِ الباطلة،
يقول اللهُ تعالى :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)} (سورة الشعراء).
قصة إبراهيمَ عليه السلامُ في تكسيره للأصنام
التي يعبدها قومُه وإظهارُه الحجَّة عليهم
ولما رأى إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام أنهم ما زالوا مُتعلقين بأوهامهم مُتمسكين بعبادة أصنامهم عقَد النية على أن يكيدَ أصنامهم ويفعلَ بها أمرًا يقيم الحجة به عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم ويصحون من كَبوتهم، وكان من عادةِ قومِه أن يُقيموا لهم عيدًا، فلمّا حل عليهم عيدهم وهمّوا بالخروجِ إلى خارجِ بلدهم دعَوْه ليَخرج معهم فأخبرهم أنه سيقيم لأنه أراد التخلفَ عنهم ليكسرَ أصنامهم ويقيم الحجةَ عليهم، قال تعالى :{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)} (سورة الصافات).
فلمّا مضى قومه ليحتفلوا بعيدهم نادى في ءاخرهم :{وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} (سورة الأنبياء) قيل: سمعه بعضهم وقيل: خفية في نفسه، ثم رجَعَ إبراهيمُ إلى بيتِ الأصنام الذي كان فيه قومُه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بَهْو عظيم واسع مستقبلَ باب البهو صنم كبير إلى جانبه أصنام صغيرة بعضها إلى جنب بعض، وإذا هم قد صنعوا لها طعامًا وضَعوهُ أمام هذه الأصنام،
فلمّا نظر إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى ما بَين أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضعه قومُه قربانًا لها ورأى سخافة عقولهم، خاطبَ هذه الأصنام وقال لها على سبيل التهكم والازدراء {ألا تأكلون} فلما لم تُجبه قال لها أيضًا على سبيل الاحتقار:{مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} (سورة الصافات).
أمسك بيده اليمنى فأسًا وأخذَ يَهوي على الأصنام يكسرها ويحطمُ حجارتها قال تعالى :{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} (سورة الأنبياء/58)، وما زال كذلك حتى جعلها كلّها حُطامًا إلا كبيرَ هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلَّقَ الفأسَ في عنقِه ليرجعوا إليهِ فيُظهر لهُم أنها لا تنطقُ ولا تعقل ولا تدفعُ عن نفسِها ضَررًا، وبذلك يُقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجّة على قومه الكافرين الذين يعبدونها على غير برهان ولا هدًى تقليدًا لآبائهم، قال تعالى :{إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} (سورة الأنبياء).
ولما رجع قومه من عيدهم ووجدُوا ما حلّ بأصنامهم بُهتوا واندهشوا وراعهم ما رأوا في أصنامهم، قال اللهُ تعالى :{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} (سورة الأنبياء) يعنونَ فتى يسبها ويعيبها ويستهزىء بها وهو الذي نظنُّ أنّه صنعَ هذا وكسرها، وبلغ ذلكَ الخبر الملك نمرود الجبار ملِك البلاد وحاكمها وأشراف قومه {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)} وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيمَ ويَجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامَه وكان اجتماعُ الناس في هذا المكانِ الواحدِ مَقصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليُقيمَ على قومه الحجّة على بطلانِ ما هم عليه من عبادة الأصنامِ التي لا تضرّ ولا تنفع، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموعُ الكافرينَ كلّ يريدُ الاقتصاص من إبراهيم نبي اللهِ الذي أهانَ أصنامهم واحتقرها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى هذا الجمع الزاخر من الكافرين أمام ملِكهم الجبار نمرود {قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)} (سورة الأنبياء)
وهنا وجدَ نبيُّ الله إبراهيمُ الفُرصةَ سانحة ليقيمَ الحُجّة عليهم وليظهر لهم سُخفَ مُعتقدهم وبُطلان دينهم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} (سورة الأنبياء) وهذا إلزام للحجّة عليهم بأن الأصنامَ جماد لا تقدرُ على النطق، وأنَّ هذه الأصنام لا تستحقّ العبادةَ فهي لا تضرّ ولا تنفع، ولا تملك لهم نفعًا ولا ضرًّا ولا تغني عنهم شيئًا.
فعادوا إلى أنفسهم فيما بينهم بالملامةِ لأنهم تركوها من غيرٍ حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيمَ عليه السلام ما أخبر اللهُ تعالى :{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء) أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق فكيف تطلبُ منا أن نسألها.
فلما أقروا على أنفسهم بأن أصنامَهم التي اتخذوها ءالهة من دونِ اللهِ عاجزةً عن الإصغاءِ والنطقِ واعترفوا أنها عاجزة لا تدرك ولا تشعر ولا تقدر ولا حياة لها، عند ذلكَ أقام إبراهيمُ عليه السلام الحجَّة عليهم وأفحمهم قال اللهُ تعالى :{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)} (سورة الأنبياء)، وقال لهم :{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (سورة الصافات)، عند ذلك غُلبوا على أمرهم وألزمهم نبيُّ اللهِ إبراهيم الحجَّة عليهم فلم يجدوا حجَّة يَحتجونَ بها عليه، يقول تعالى :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} (سورة الأنعام).
قال تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وأرادوا به كيدًا فجعلناهمُ الأخسرين (70)} (سورة الأنبياء).
فائدة: ليُعلم أن قول إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}: "بل فعله كبيرهم هذا" ليس كذبًا حقيقيًّا بل هو صِدق من حيث الباطن والحقيقة، لأن كبيرَ الأصنامِ هو الذي حملَه على الفتك بالأصنامِ الأخرى من شِدّة اغتياطِه من هذا الصنم الكبير لمبالغتهم في تعظيمهِ بتجميل هيأته وصورته، فحمله ذلك على أن يكسر صغارَ الأصنام ويهين كبيرها، فيكونُ إسناد الفعل إلى الكبير إسنادًا مجازيًا فلا كذب في ذلك، لأن الأنبياءَ يستحيلُ عليهُم الكذب لأن من صفاتهم الواجبة لهُم الصدق فهم لا يكذبون. ولما قال إبراهيم عليه السلام لقومه عندما سألوه {ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} أرادَ بذلكَ أن يُبادروا إلى القولِ بأنها لا تنطق، قال تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء).
مع الملك الجبار نمرود الذي ادّعى الألوهية
أقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجّة على قومِه بعد أن حطّم أصنامهم، فاغتلظوا منه وأحضروهُ أمام ملكهم النمرود وأشراف قومه، فأخذ النمرودُ يُنكر على إبراهيم عليه السلام دعوتَه إلى دين الإسلام وأن الله تعالى هو رب العالمين لا ربَّ سواه، وأخذ يدّعي عِنادًا وتكبّرًا أنه هو الإله وقال لإبراهيم: أخبرني الذي تعبده وتدعو إلى عبادته ما هو، فقال له إبراهيم عليه السلام :{ربّي الذي يُحي ويُميت} وبيّن له أن اللهَ تعالى هو خالق كلّ شىء، واستدلّ على وجودِ الخالقِ بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وإماتتها، وأنّه لا بدّ لهذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر من خالق مسخّر لها ومدبّر، فقال النمرود الجبار المستكبر: أنا أُحيي وأميت أي أنا أحيي من أشاء بالعفوِ عنه بعد أن يكون صدر الحكم عليه بالقتل فينعم بالحياة، وأنا أميتُ من أشاء بأمري وأقضي عليه بحكمي، وقال: ءاخذُ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييتُه.
ظن نمرود بمقالته هذه البعيدةِ عن الحقيقةِ أنه على صواب، وأرادَ المراوغةَ والاستكبار والعناد، فأراد إبراهيمُ عليه السلام أن يفحمه بالحجّة القويّة ويضيق عليه الخناق ويظهر لهُ جهله وسخف عقله أمام قومه، فأعطاهُ دليلاً قويًّا على أن اللهَ تعالى هو الخالق المدبّر لهذا العالم، وأن ما ادعاهُ عنادًا واستكبارًا باطل فقال له :{فإنَّ اللهَ يأتي بالشمس من المشرقِ فأتِ بها من المغرب} أي أن هذه الشمس مسخّرة كل يوم تطلع من المشرقِ كما سخرها اللهُ الذي هو خالقها وخالق كل شىء، فإن كنت كما زعمت باطلاً أنك تحيي وتميتُ فأتِ بهذه الشمس من المغرب، فإنّ الذي يحيي ويميتُ هو الذي يفعل ما يشاءُ ولا يمانَع ولا يُغالب، وأمام هذه الحجة الساطعة وقف نمرود مبهوتًا مبغوتًا أمام قومه، قال تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَاْ أُحْيِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} (سورة البقرة).
وأمام عناد واستكبار هذا الملك الطاغية واستمراره على غيّه وضلاله، يقال: إن اللهَ بعث إلى ذلك الملك الجبار العنيد ملكًا يأمره بالإيمانِ بالله والدخول في دين الإسلام، فأبى عليه ثم دعاه ثانية فأبى عليه ثم دعاه الثالثةَ فأبى عليه وقال له: اجمع جموعكَ وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليه ذبابًا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلط اللهُ هذه الحشرات عليهم فأكلت لحومَهم ودماءَهم وتركتهم عظامًا، ودخلت ذبابة في منخر النمرود فمكثت فيه أربعمائةِ سنة عذَّبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدّة كلها حتى أهلكه اللهُ عزّ وجلّ بها.
معجزةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلامفي عدم احتراقه بالنار
أراد قومُ إبراهيم عليه السلام أن ينتقموا من إبراهيم عليه السلام لما كسّر أصنامهم وحطمها وأهانها، فلما غلبهم بحجته القوية الساطعة أرادوا مع ملكهم هذا أن ينتقموا منه فيحرقوه في نار عظيمة فيتخلصوا منهُ قال تعالى مخبرًا عن قولهم :{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)} (سورة الصافات)، وقال :{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)} (سورة الأنبياء)، فشرعوا يجمعونَ الحطب من جميعِ ما يُمكنهم من الأماكن ليلقوهُ بها وجعلوا ذلك قُربانًا لآلهتهم (على زعمهم) حتى قيل إن امرأة منهم كانت إذا مَرضت تنذر لئن عوفيت لتَحملنَّ حطَبًا لحريق إبراهيم، وهذا يدلّ على عظم الحقد المتأجج في صُدورهم ضد إبراهيم عليه السلام. ثمّ عمدوا إلى حفرة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطبَ وأضرموا النار فيها فتأججت والتهبت وعلا لها شررٌ عظيمٌ لم يُر مثله، وكانوا لا يستطيعون لقوة لهبها أن يتقدموا منها، ثُمّ لما كانوا لا يستطيعون أن يُمسكوا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأيديهم ويرموه في هذه النار العظيمةِ لشدّة وهجها، صنعوا المَنجنيق ليرموه من مكان بعيد، فأخذوا يُقيّدون إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام وهو عليه الصلاة والسلام متوكّل على الله حقّ توكله، فلمّا وضعوه عليه السلام في كفّة هذا المنجنيق مُقيّدًا مكتوفًا وألقوه منه إلى وسط النار قال "حسبنا الله ونِعم الوكيل" كما روى ذلك البخاريُّ عن ابن عباس.
فلما أُلقي إبراهيم لم تحرقه النارُ ولم تصبه بأذى ولا ثيابه، لأن النار لا تحرقُ بذاتها وطبعها وإنما الله يَخلقُ الإحراقَ فيها، قال الله :{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} (سورة الأنبياء).
فكانت هذه النار الهائلة العظيمة بَردًا وسلامًا على إبراهيم فلم تحرقه ولم تحرق ثيابه. وقيل: لم تحرق سوى وِثاقه الذي وثقوا وربطوا به إبراهيم عليه السلام. ويُروى عن بعض السلف أن جبريل عليه السلام عرض له في الهواء فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
ولما خبا سَعيرُ هذه النار العظيمة وانقشع دخانها وجدوا إبراهيمَ سليمًا معافى لم يصبه أيُّ أذى فتعجبوا لأمره ونجاته، ومع أنهم رأوا هذه المعجزة الباهرة ظلوا على كُفرهم وعنادهم ولم يُؤمنوا بنبي الله إبراهيم عليه السلام، لقد أرادوا أن ينتصروا لكفرهم فخُذلوا، يقولُ اللهُ تبارك وتعالى :{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70)} (سورة الأنبياء)، وقال :{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ (98)} (سورة الصافات).
هجرةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بلاد الشام (فلسطين)
ودخوله مصر واستقراره في الأرض المقدسة
أصرّ قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الكفر والضلال ولم يؤمن به إلا نفر قليل منهم، ولما لم يجد إبراهيم عليه السلام منهم إقبالاً إلى الهدى والإيمان أراد أن يهاجر إلى بلد يتمكن فيه من عبادة الله ودعوة الناس فيه إلى الإيمان والإسلام، عَلّه يجد هناك ءاذانًا صاغية وقلوبًا واعية تقبل الحق والإيمان وتُقرُّ بوحدانية الله المَلِك الديان مالك السموات والأرض.
قال تعالى حكاية عن نبيّه إبراهيم عليه السلام: {وقال إنّي ذاهب إلى ربي سيهدين} [سورة الصافات/99] وذلك حين أراد هجرة قومه بعد هذا الإصرار والعناد منهم على كفرهم وضلالهم، أي إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز وجل وهو الشام، أو المعنى: إلى حيث أتمكن فيه من عبادة ربي عز وجل. وقال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَءاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [سورة العنكبوت]. وهَاجَر سيدنا إبراهيم عليه السلام مع زوجته سَارة وابن أخيه لوط إلى أرض الشام، وبعث الله تعالى سيدنا لوطًا رسولاً إلى أهل سدوم في أطراف الأردن المؤتفكة، وكانت هجرة إبراهيم عليه السلام إلى برّ الشام بأمر الله فيها بركة، ثم وهبه الله تبارك وتعالى بهجرته هذه في سبيل الله الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب، يقول الله تبارك وتعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [سورة الأنبياء].
رحيل إبراهيم عليه السلام إلى مصر
يقال: إنه لما ضاقت سُبُل العيش في الشام وعَمَّ القحط رحل إبراهيم عليه السلام إلى مصر وكانت معه زوجته سارة، وكان على هذه الأرض مَلِك كافر جَبّار مُتسلطٌ، وكان قابضًا على زمام الحكم في هذه البلاد، وكان من جملة الفساد الذي عند هذا الملك الخبيث أنه كان إذا دخلت إلى بلدته وأرضه امرأةٌ جميلة يأخذونها إليه ليفعل الفاحشة بها، فلمّا دخل إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة إلى أرض هذا الجبار وكانت سَارَة من أحسن وأجمل النساء وكانت لا تعصي إبراهيم عليه السلام، وصِفَ حُسن وجمال سارة عليها السلام لهذا الملك الجبار الخبيث فأرسل إلى إبراهيمَ
فقال له: من هذه المرأة التي معك؟ ففطن إبراهيم عليه السلام إلى مَقصده الخبيث ومأربه وخَشِي إن أخبره أنها زوجته أن يبيّتَ له الشرّ فيقتله ليتخلص منه فيستأثر بسارة من بعده، فقال له إبراهيم: أختي أي أختي في الإسلام، فظنَّ الملك الجبار أنها غير متزوجة، فطلب منه أن يحضرها إليه في قصره، وذَهَب إبراهيم عليه السلام إلى زوجته سارة وأخبرها بما جرى مع هذا الملك الجبار وقال لها: يا سارة لَيس على وجه الأرض زوجان مؤمنان غيري وغيرك وإنّ هذا سألني فأخبرتُه أنك أختي فلا تكذبيني، ودخلت سارة على هذا الملك الجبار بعد أن قامت وتوضّأت ودَعت الله تعالى أن يكفيَها شر هذا الملك الجبار، فلما رءاها هذا الملك أعجبَ بها ومدَّ يَده إليها ليتناولها بيده لكنه أُخِذ ويَبستْ يده، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعَت الله تبارك وتعالى فانفكت يده بعد يُبسها وعادت إلى طبيعتها، ولكنَّ هذا الخبيث طاوع نفسه الخبيثة وأمرته أن يمدَّ يدَه إلى سارة ليتناولها مرة ثانية، فلما أهوى إليها يَبست له مثلَ المرة الأولى أو أشد، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت سارة الله تعالى فأطلقَ الله يده، فلما رأى هذا الخبيثُ ما رأى رَدَّها إلى إبراهيمَ عليه السلام، ودعا بعض حَجَبته فقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسانٍ إنما أتيتموني بجنيّة، وَوَهب لسارة وأخدمها هاجر، فأقبلت سارة عليها السلام بهاجر إلى زوجها إبراهيمَ عليه السلام وهو قائمٌ يصلي، ثم لمّا سألها إبراهيم عما جرى معها قالت له: كَفاني الله كيدَ الكافرين وأخدَمني هاجر، وقد روى هذه القصة بنحوها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة موقوفًا، والبزار في مسنده والإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا.
فائدة: رَوَى البخاريُّ أَنّ سارة زوجة إبراهيم عليه السلام تَوضأت لمّا أتى إبراهيم أرض الجبار، وهذا يدلُّ على أن الوضوءَ كان موجودًا قَبل أمةِ محمد عليه الصلاة والسلام، وفي شريعة الأنبياء السابقين.
مَولد إسماعيل عليه السلام وقصة ماء زمزم
مَكَثَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام مع زوجته سارة في فلسطين واستقرَّ بها وكانت سارة عَقيمًا لا تَلِد وكان يَحزُنها أن تَرى زوجها ليس له وَلَد قيل: كان قد بَلَغ من العمر سِتًّا وثَمانينَ سَنة وهي قد جاوزت السبعين، فَوَهبتْ سارة هَاجَر وأعطتها لزوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقبل إبراهيمُ ذلك فلمَّا أعطت سَارةُ هاجرَ لإبراهيم عليه السلام صارت ملكه وحَلالاً له في شريعة الله لأنها كانت أمة مملوكة، فلما دخل إبراهيم بهاجر وَلَدَت له غلامًا زكيًّا هو سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي كان من نَسْله سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففَرِح إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بِهذا المولود الجديد وكذلك فرحت زوجته سارة لفرحه، ولمَّا بلغ إبراهيم مع ابنه إسماعيل وأمه هاجر مكة وكانت هاجر تُرضع ابنها إسماعيل، وضعها إبراهيم مع ابنه عند دَوْحة ـ وهي الشجرة الكبيرة ـ فوق زمزم في أعلى المسجد، في ذلك المكان القفر وليس بمكة يومئذ أحد ولا بُنيان ولا عمران ولا ماء ولا كلأ، تركهما هناك وترك لهما كيسًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمَّ لمّا أراد العودة إلى بلاد فلسطين وقفَّى راجعًا لحقته هاجر أمُّ إسماعيل وهي تقول له: يا إبراهيم أين تتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه سمير ولا أنيس؟ وجعلت تقول له ذلك مِرارًا وكان يُريد أن يطيعَ الله فيما أمره عند ذلك فقالت له: ءالله أَمَرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت له بلسان اليقين وبالمنطِق القويم: إذًا لا يُضَيّعُنَا، ثُمَّ رجعت.
ولمّا ابتعدَ إبراهيمُ عن ولده وأمِّ إسماعيل هاجر قليلاً وعند الثنية التفت جهة البيت ووقف يدعو الله تبارك وتعالى ويقول: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} [سورة ابراهيم].
مَكَثَتْ هَاجرُ أُمُّ اسماعيل مع ولدها إسماعيل حَيث وضعهما إبراهيم عليه السلام وصَارتْ ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء الذي تركه لهما إبراهيم، حتى إذا نفد ما في ذلك السقاء عَطشت وعَطِش ابنها وجَعل يَبكي ويَتَلوى من شدة العَطَش، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى، وانطلقت كراهية أن تنظر إليه في هذه الحالة وصارت تُفتّشُ له عن ماء، فوجدت الصفا أقرب جَبَل في الأرض يليها فَصعِدتْ عليه، ثم استقبلت الوادي تَنظرُ هل ترى أَحَدًا، فلم تَرَ أحدًا، فهبطت من الصفا حتى بلغت الوادي وصارت تَسعى سَعيَ المجهود حتى وصلت إلى جَبَل المروة، فَصعدت عليه ونَظَرت فلم تجد أحدًا، فأخذت تذهب وتجىء بين الصفا والمروة سَبْعَ مرات، فلمّا أشرفت على المَرْوة سمعت صوتًا، فقالت: أغثنا إن كان عندك غواثٌ؟ فرأت مَلَكًا وهو جبريل عليه السلام يضرب بِقَدَمِه الأرض حتى ظهر الماء السَلسَبيل العذب وهو ماء زمزم، فجعلت أم اسماعيل تُحوّط الماء وتغرف منه بسقائها وهو يفورُ، وجعل جبريل يقولُ لها: لا تخافي الضياع فإنَّ لله ههنا بَيتًا وأشار إلى أكمة مُرتفعة من الأرض يبنيه هذا الغلام وأبوه. روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم" أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا".
شربت هاجر من ماء زمزم، وارتوت وأرضعت ولدها إسماعيل شاكرة الله الكريم اللطيف على عظيم فضله ورحمته وعنايته، ثم بدأت الطيور تَرِد ذلك الماء وتَحوم حوله، ومَرَّت قبيلةُ جُرهم العربية فرأوا الطيورَ حَائِمة حَول ذلك الماء، فاستدلوا بذلك على وجود الماء، فوص
قال الله تعالى :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} (سورة مريم/41)، وقال تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/51).
نسب إبراهيم عليه الصلاة والسلام
هو إبراهيم بن تارخ (وهو ءازر) بن ناخور بن ساروغ بن ارغو بن فالَع بن غابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، وقيل: إن إبراهيم عليه السلام كان يكنى أبا الضِّيفان لأنه كان مضيافًا كثير الكرم لمن استضافه.
كان أهلُ بابل في العراق يتنعمون برغد العيش ويتفيئون ظِلال النعم الكثيرة التي أنعمها الله عليهم، ولكنهم كانوا يتخبطون في دياجير الظلم ويتَردّون في وهاد الضلال والكفر، فقد نحتوا بأيديهم الأصنام واتخذوها من دون الله ءالهة وعكفوا على عبادتها، وكان عليهم حاكم ظالم مُستبدّ يقال له نُمرود بن كنعان بن كوش، قيل هو الضحاك وقيل غيره، وكان أحد الملوك الذين ملكوا الأرض وأحاط ملكه مشارق الأرض ومغاربها، فلما رأى ما هو عليه من الزعامة وما يتمتعُ به من سطوة المُلك وقوة السلطان، ورأى ما أطبق على قومه من الجهل والفساد ادعى الألوهية ودعا قومه إلى عبادته، وقيل: كان قوم إبراهيم يعبدون الكواكب السبعة وكان لهم أصنام بشكل الشمس والقمر وأصنام بشكل الكواكب.
مولد إبراهيم عليه السلام
في وسط هذه البيئة المنحرفة وفي زمن وعهد هذا الملِك الجبار الكافر النمرود كان مولدُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي موضع ولادته عليه السلام خلاف قيل: ولد بالسُّوس من أرض الأهواز، وقيل: ولد ببابل وهي أرض الكلدانيين، وقيل: بحران، وقيل: بغُوطة دمشق في قرية يقال لها بَرزة في جبل يقال له قاسيون، والمشهور عند أهل السير والتاريخ أنه ولد ببابل.
قال أهل التواريخ في السير: إنّه لما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام وأن يجعله حجة على قومه نبيًّا ورسولاً إليهم، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هودًا وصالحًا عليهما السلام، ولما تقارب زمان إبراهيم أتى المنجّمون إلى هذا الملِك نمرود وقالوا له: اعلم أنا نجد في علمنا أن غلامًا يُولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارقُ دينكم ويكسرُ أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود هذا إلى كل امرأة حُبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم زوجة ءازر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل هذا الملك الطاغية لا تلدُ امرأةٌ غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذُبح، فلما وجدت أمّ إبراهيم عليه السلام الطَّلْق خرجت ليلاً إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود، ثم سدّت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، كانت تزوره وتطالعه في المغارة لتنظر ما فعل، فكان يشبّ في اليوم ما يشبُّ غيرُه في الشهر وكانت تأتي فتجده حيًّا يمصّ إبهامه، فقد جُعل رزقُ إبراهيم عليه السلام في إبهامه فيما يجيئه من مصّه، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسةَ عشَر شهرًا، ثم ترعرع وكَبرَ واصطفاه اللهُ تعالى لحمل رسالته وإبانة الحقّ ودعاء قومه إلى عبادة الله وحدَه وإلى العقيدة الصافية من الدنس والشرك، وإلى ترك عبادة الكواكب والأصنام وإلى الدخول في دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء.
عدد المرات التي ذكر فيها إبراهيم عليه السلام في القرءان
ذكرت قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدّة مواضع من القرءان، تارة باختصار وتارة بالتطويل وتارة بذكر شأن من شئونه في سورة، ثم شأن ءاخر من شئونه في سورة أخرى.
وقصة إبراهيم عليه السلام تَرتبط بها قصص أخرى كقصة لوط، لأن إبراهيم ولوطًا كانا متعاصرين، ونبي الله لوط هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وقد ءامن لوط بعمّه إبراهيم كما قال تعالى :{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} (سورة العنكبوت/26).
نبوة إبراهيم ورسالته ونشأته
على الإيمان وعدم شكّه بالله تعالى وبقدرته
اختارَ الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام وجعله نبيًّا رسولاً واصطفاه لهداية قومه ودعوتهم إلى دين الإسلام وتوحيد الله وترك عبادة الكواكب والأصنام التي لا تخلق شيئًا ولا تستحق العبادة، لأن الذي يستحقّ العبادة وحده هو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء.
وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مسلمًا مؤمنًا عارفًا بربّه معتقدًا عقيدة التوحيد مُنزّهًا ربَّه عن مشابهة المخلوقات، ومُدركًا أن هذه الأصنام التي يعبدها قومُه لا تُغني عنهم من الله شيئًا، وأنَّها لا تضرّ ولا تنفع لأن الضارّ النافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده. يقول الله تبارك وتعالى في حق إبراهيم عليه السلام :{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (سورة ءال عمران/67)، وقال الله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} (سورة الأنبياء/51).
ولقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام مفعم النفس بالإيمان بربه وعارفًا به ممتلىء الثقة بقدرة الله وأن الله تعالى قادر على كل شىء لا يعجزة شىء، وكان غير شاكّ ولا مُرتاب بوجود الله سبحانه مؤمنًا بما أوحي إليه من بَعث الناس بعد موتهم يوم القيامة وحسابهم في الحياة الأخرى على أعمالهم وما قدموا في هذه الحياة الدنيا.
فائدة: قال الله تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة البقرة/260).
ومعناه أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مؤمنًا ومصدّقًا بقلبه تصديقًا جازمًا لا ريب فيه أن الله تبارك وتعالى قادرٌ على إحياء الموتى وإعادة الخلق يوم القيامة، ولكنه أراد أن يزداد بصيرةً ويقينًا فسأل الله تعالى أن يُريه كيف يحيي الموتى بعد مَوتهم، وقول الله تعالى :{أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي أنا مؤمن غير شاكّ ولا مُرتاب ولكن تاقت نفسي لأن أرى بعينيَّ ليطمئنَّ قلبي ويزداد يقيني، فمعنى قول إبراهيم "ليطمئن قلبي" أي ليطمئنَّ قلبي بإجابة طلبي، لأنَّه من الجائز أن يعطي الله تعالى بعض الأنبياء جميعَ ما طلب أو أن يعطيَه بعضَ ما طلب ولا يعطيه بعضًا، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرفُ خَلق الله وأكرمُهم على الله ما أُعطي جميعَ ما طلب، بل أُعطي بعضَ ما طلب ومُنع بعض ما طلب، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ما كان جازمًا وقاطعًا في نفسه بأن الله يعطيه ما سأل، لكنَّه كان مُؤمنًا بأن الله تبارك وتعالى قادرٌ على ذلك، لكن كان عنده احتمال أن الله يريه كيف يحيي الموتى واحتمال أنّه لا يريه، فأجابَ الله تبارك وتعالى سؤال إبراهيم عليه السلام وأمرَه أن يأخذ أربعةً من الطير ويتعرف على أجزائها ثم يُفرقها أشلاء وأجزاء ويجعل على كل جبل منهنّ جُزءًا ثم يدْعوهنَّ إليه فيأتينه سعيًا بإذن الله،
فلمَّا فعل إبراهيمُ خليلُ الرحمنِ ما أمره الله تعالى صارَ كلُّ جُزءٍ ينضمّ إلى مثلهِ وعادت الأشلاء والأجزاء كما كانت وعادت الروحُ إلى كل طير، ورجعت الطيور الأربعة بقدرة الله تعالى ومشيئته إلى إبراهيم عليه السلام، وهو يرى ءايات الله البينات وءاثار قدرته العظيمة التي تدل أنه تعالى لا يعجزه شىء في الأرض ولا في السماء فتبارك الله أحسن الخالقين أي أحسن المقدّرين.
دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه ءازَر إلى دين الإسلام
بالحكمة والموعظة الحسنة
ذكر أهل التواريخ أن إبراهيم انطلق بزوجته سارة وابن أخيه لوط فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين وهي بلاد بيت المقدس، فنزلوا حران وكان أهلها يعبدون الكواكب السبعة، فقام الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو قومَه إلى دين الله تبارك وتعالى وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وكان أول دعوته لأبيه ءازر الذي كان مُشركًا يصنعُ الأصنامَ ويعبدُها ويبيعها للناس ليعبدوها فدعاه إلى عبادة الله وحده وإلى دين الحقّ الإسلام بألطف عبارة وبأحسن بيان وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} (سورة مريم)، وقال تعالى :{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (سورة الأنعام/74).
ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات ما كان جرى بين إبراهيم وأبيه من المحاورة والجدال في دعوته إلى عبادة الله وحده، وكيف دعا أباه إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وبيّن له بُطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تُغني عنه شيئًا أو تفعل به خيرًا من رزق أو نصر فهي لا تضر ولا تنفع، وأعلمه بأن الله قد أعطاه من الهُدى والعلم النافع فدعاه إلى اتباعه وإن كان أصغر سنًّا من أبيه لأن اتباعه ودخوله في دين الإسلام وعبادة الله وحده هو الطريق المستقيم السويّ الذي يفضي إلى الخير في الدنيا والآخرة. ثم بيَّن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأبيه أنه بعبادته للأصنام يكونُ منقادًا للشيطان الخبيث الفاجر الذي لا يُحِبّ للناس الخير بل يريد لهم الهلاك والضلال ولا يستطيع أن يدفع عنه عذاب الله ولا أن يردّ عنه عقوبته وسخطه يقول الله تعالى :{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (سورة فاطر/6).
لم يقبل ءازر نصيحة نبي الله إبراهيم ولم يستجب لدعوته بل استكبر وعاندَ وتوعدَ وهدّد ابنَه إبراهيم بالشرّ والرجم والقتل وقال له ما أخبرنا الله تعالى عنه في القرءان :{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءالِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)} (سورة مريم) فعندها قال له إبراهيم ما حكاه الله عنه :{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} (سورة مريم) أي سَلام عليك لا يصِلك مني مكروه ولا ينالك مني أذى، وزاده بأن دعا له بالخير فقال :{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} (سورة مريم).
ومعنى قوله :{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} أي سأطلب من الله أن يغفر لك كفرَك بالدخول في الإسلام وليس معناه إني أطلب لك باللفظ كما يستغفر المسلم للمسلم بقوله: الله يغفر لك أو أستغفرُ اللهَ لك، ومعنى قوله :{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} أي لطيفًا يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ولهذا قال ما حكاه الله عنه في كتابه العزيز :{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)} (سورة مريم)،
وقد استغفرَ إبراهيمُ لأبيه ءازر على المعنى الذي ذكرناه سابقًا كما وعده إبراهيم في أدعيته فلما تبين له أنّه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى :{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ (114)} (سورة التوبة) أي لما علم أنه لا يسلم بل يموت على الكفر تبرأ منه.
دعوةُ إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحدَه وإقامة الحجّة
على قومه في أن الكواكب والأصنام التي يعبدونها لا تصلح للعبادة وبيان أن إبراهيم لم يكن يعبد الكواكب
هذه الغلظة والاستكبار من والد إبراهيم عليه السلام لم تُقعده وتمنعه من متابعة دعوته إلى الله سبحانه وتعالى ولم تثنه عدم استجابة أبيه لنصحه ودعوته إلى عبادة الله وحده عن متابعة دعوته لقومه إلى هذا الدين الحقّ وترك عبادة الكواكب والأصنام.
وأراد إبراهيم عليه السلام أن يُبيّن لقومه أن عبادةَ الكواكب باطلة وأنها لا تصلح للعبادةِ أبدًا لأنها مخلوقة مُسخّرة مُتغيّرة تطلع تارة وتغيب تارة أخرى، وأنها تتغير من حال إلى حال وما كان كذلك لا يكون إلهًا، لأنها بحاجة إلى مَن يُغيّرها وهو الله تبارك وتعالى الدائمُ الباقي الذي لا يتغير ولا يزول ولا يفنى ولا يموت، لا إله إلا هو ولا رب سواه، فبيّن إبراهيمُ عليه السلام لقومه أولاً أن الكوكب لا يصلح للعبادة ثم انتقل إلى القمر الذي هو أقوى ضوءًا منه وأبهى حسنًا، ثم انتقل إلى الشمس التي هي أشدّ الأجرام المشاهدة ضياء ونورًا، فبين أنها ذات حجم وحدود وأنها متغيرة تشرق وتغرب وإذا كانت متغيرة فلا تصلح للألوهية لأنها بحاجة إلى من يُغيرها ويحفظُ عليها وجودها وهو الله تبارك وتعالى خالق كل شىء ومدبر أمر هذا العالم.
قال الله تبارك وتعالى :{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا (80)} (سورة الأنعام).
وأما معنى قولِ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن الكوكب حين رءاه {هذا ربي} فهو على تقدير الاستفهام الإنكاريّ فكأنه قال: أهذا ربي كما تزْعمون؟! لذلكَ لما غاب الكوكب قال :{لا أحبّ الآفلين} أي لا يصلح أن يكونَ هذا الكوكب ربًّا لأنه يأفلُ ويتغيرُ فكيفَ تعتقدون ذلك، ولما لم يفهموا مقصوده وظلوا على ما كانوا عليه، قال حين رأى القمر مثل ذلك فلما لمْ يجدْ منهم بُغيتَه أظهرَ لهم أنه بريء من عبادته أي من عبادة القمر لأنه لا يصلح للعبادة ولا للرُّبوبية، ثم لما أشرقت الشمسُ وظهرت قال لهم مثلَ ذلك، فلمَّا لم يرَ منهم بغيتَه أيضًا وأنّهم أصحابُ عقولٍ سقيمةٍ وقلوبٍ مظلمةٍ مُستكبرةٍ أيسَ منهم وأظهر براءتَه من هذا الإشراك الذي وقعوا به وهو عبادة غير الله تعالى، وأمّا إبراهيمُ عليه السلامُ فهو رسول اللهِ ونبيّه فقد كان مؤمنًا عارِفًا بربّه كجميع الأنبياءِ لا يشكّ بوجودِ اللهِ طرفةَ عين، وكان يعلم أن الربوبية لا تكون إلا لله وأنه لا خالقَ إلا الله ولا معبودَ بحقّ إلا الله. ولم يكن كما يفتري عليه بعض أهل الجهل والضلال من قولهم إنه مرّ بفترات وأوقات شكّ فيها بوجود الله، لأن الأنبياء والرسل جميعهم يستحيلُ عليهم الكفرُ والضلال قبل النبوة وبعدها، لأنهم بُعثوا هداة مهتدين ليعلموا الناس الخير وما أمرهم الله بتبليغه، فقد كان إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ قبل مناظرته لقومه وإقامة الحجّة عليهم وقبل دعوتهم إلى الإسلام والإيمان يعلمُ علمًا يقينًا لا شكّ فيه أنّ له ربًّا وهُوَ اللهُ تبارك وتعالى الذي لا يشبه شيئًا وخالقُ كلّ شىء،
وأن الألوهيةَ والرُّبوبيةَ لا تكونُ إلا لله خالق السموات والأرضِ وما فيهما وهو مالكُ كل شىء وقادر على كل شىء وعالم بكل شىء ونافذُ المشيئة في كل شىء، والدليلُ على ذلكَ من القرءان قوله تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51)} (سورة الأنبياء)، وقوله تعالى :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} (سورة الأنعام)، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيمَ بعد أن أقامَ إبراهيمُ الحجةَ على قومِه وأفحمهم :{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} (سورة الأنعام).
والظاهرُ أن موعظةَ إبراهيم هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كانوا يعبدونها، أما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنامَ وهم الذينَ ناظرهُم في عبادتها، وكسرها وأهانها وبيّن بطلان عبادتها كما قال اللهُ تعالى :{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)} (سورة الأنبياء).
ولقد سألَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام قومَه ليُقيم الحجةَ عليهم أيضًا مستنكرًا إن كانت الأصنامُ تسمعُ دعاءَهم أو تنفعُ أو تضرّ فقالوا له ما حكاهُ اللهُ تعالى عنهم :{بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)} (سورة الأنبياء).
فقد سلّموا له أن هذه الأصنام التي يَعبدونها من دون اللهِ لا تسمعُ داعيًا ولا تنفعُ ولا تضر شيئًا، ثم أخذَ يبينُ لهُم بديعَ صنع اللهِ تعالى وعظيم قدرتهِ ليلمسوا الفرقَ الواضحَ بين عبادة إبراهيم لله الحقة وبين عبادتهم للأصنامِ الباطلة،
يقول اللهُ تعالى :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)} (سورة الشعراء).
قصة إبراهيمَ عليه السلامُ في تكسيره للأصنام
التي يعبدها قومُه وإظهارُه الحجَّة عليهم
ولما رأى إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام أنهم ما زالوا مُتعلقين بأوهامهم مُتمسكين بعبادة أصنامهم عقَد النية على أن يكيدَ أصنامهم ويفعلَ بها أمرًا يقيم الحجة به عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم ويصحون من كَبوتهم، وكان من عادةِ قومِه أن يُقيموا لهم عيدًا، فلمّا حل عليهم عيدهم وهمّوا بالخروجِ إلى خارجِ بلدهم دعَوْه ليَخرج معهم فأخبرهم أنه سيقيم لأنه أراد التخلفَ عنهم ليكسرَ أصنامهم ويقيم الحجةَ عليهم، قال تعالى :{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)} (سورة الصافات).
فلمّا مضى قومه ليحتفلوا بعيدهم نادى في ءاخرهم :{وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} (سورة الأنبياء) قيل: سمعه بعضهم وقيل: خفية في نفسه، ثم رجَعَ إبراهيمُ إلى بيتِ الأصنام الذي كان فيه قومُه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بَهْو عظيم واسع مستقبلَ باب البهو صنم كبير إلى جانبه أصنام صغيرة بعضها إلى جنب بعض، وإذا هم قد صنعوا لها طعامًا وضَعوهُ أمام هذه الأصنام،
فلمّا نظر إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ إلى ما بَين أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضعه قومُه قربانًا لها ورأى سخافة عقولهم، خاطبَ هذه الأصنام وقال لها على سبيل التهكم والازدراء {ألا تأكلون} فلما لم تُجبه قال لها أيضًا على سبيل الاحتقار:{مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} (سورة الصافات).
أمسك بيده اليمنى فأسًا وأخذَ يَهوي على الأصنام يكسرها ويحطمُ حجارتها قال تعالى :{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} (سورة الأنبياء/58)، وما زال كذلك حتى جعلها كلّها حُطامًا إلا كبيرَ هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلَّقَ الفأسَ في عنقِه ليرجعوا إليهِ فيُظهر لهُم أنها لا تنطقُ ولا تعقل ولا تدفعُ عن نفسِها ضَررًا، وبذلك يُقيم سيدنا إبراهيم عليه السلام الحجّة على قومه الكافرين الذين يعبدونها على غير برهان ولا هدًى تقليدًا لآبائهم، قال تعالى :{إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} (سورة الأنبياء).
ولما رجع قومه من عيدهم ووجدُوا ما حلّ بأصنامهم بُهتوا واندهشوا وراعهم ما رأوا في أصنامهم، قال اللهُ تعالى :{قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} (سورة الأنبياء) يعنونَ فتى يسبها ويعيبها ويستهزىء بها وهو الذي نظنُّ أنّه صنعَ هذا وكسرها، وبلغ ذلكَ الخبر الملك نمرود الجبار ملِك البلاد وحاكمها وأشراف قومه {قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)} وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيمَ ويَجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامَه وكان اجتماعُ الناس في هذا المكانِ الواحدِ مَقصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليُقيمَ على قومه الحجّة على بطلانِ ما هم عليه من عبادة الأصنامِ التي لا تضرّ ولا تنفع، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموعُ الكافرينَ كلّ يريدُ الاقتصاص من إبراهيم نبي اللهِ الذي أهانَ أصنامهم واحتقرها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى هذا الجمع الزاخر من الكافرين أمام ملِكهم الجبار نمرود {قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62)} (سورة الأنبياء)
وهنا وجدَ نبيُّ الله إبراهيمُ الفُرصةَ سانحة ليقيمَ الحُجّة عليهم وليظهر لهم سُخفَ مُعتقدهم وبُطلان دينهم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} (سورة الأنبياء) وهذا إلزام للحجّة عليهم بأن الأصنامَ جماد لا تقدرُ على النطق، وأنَّ هذه الأصنام لا تستحقّ العبادةَ فهي لا تضرّ ولا تنفع، ولا تملك لهم نفعًا ولا ضرًّا ولا تغني عنهم شيئًا.
فعادوا إلى أنفسهم فيما بينهم بالملامةِ لأنهم تركوها من غيرٍ حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيمَ عليه السلام ما أخبر اللهُ تعالى :{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء) أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق فكيف تطلبُ منا أن نسألها.
فلما أقروا على أنفسهم بأن أصنامَهم التي اتخذوها ءالهة من دونِ اللهِ عاجزةً عن الإصغاءِ والنطقِ واعترفوا أنها عاجزة لا تدرك ولا تشعر ولا تقدر ولا حياة لها، عند ذلكَ أقام إبراهيمُ عليه السلام الحجَّة عليهم وأفحمهم قال اللهُ تعالى :{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)} (سورة الأنبياء)، وقال لهم :{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (سورة الصافات)، عند ذلك غُلبوا على أمرهم وألزمهم نبيُّ اللهِ إبراهيم الحجَّة عليهم فلم يجدوا حجَّة يَحتجونَ بها عليه، يقول تعالى :{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)} (سورة الأنعام).
قال تعالى :{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وأرادوا به كيدًا فجعلناهمُ الأخسرين (70)} (سورة الأنبياء).
فائدة: ليُعلم أن قول إبراهيم عليه الصلاةُ والسلام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}: "بل فعله كبيرهم هذا" ليس كذبًا حقيقيًّا بل هو صِدق من حيث الباطن والحقيقة، لأن كبيرَ الأصنامِ هو الذي حملَه على الفتك بالأصنامِ الأخرى من شِدّة اغتياطِه من هذا الصنم الكبير لمبالغتهم في تعظيمهِ بتجميل هيأته وصورته، فحمله ذلك على أن يكسر صغارَ الأصنام ويهين كبيرها، فيكونُ إسناد الفعل إلى الكبير إسنادًا مجازيًا فلا كذب في ذلك، لأن الأنبياءَ يستحيلُ عليهُم الكذب لأن من صفاتهم الواجبة لهُم الصدق فهم لا يكذبون. ولما قال إبراهيم عليه السلام لقومه عندما سألوه {ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)} أرادَ بذلكَ أن يُبادروا إلى القولِ بأنها لا تنطق، قال تعالى {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65)} (سورة الأنبياء).
مع الملك الجبار نمرود الذي ادّعى الألوهية
أقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام الحجّة على قومِه بعد أن حطّم أصنامهم، فاغتلظوا منه وأحضروهُ أمام ملكهم النمرود وأشراف قومه، فأخذ النمرودُ يُنكر على إبراهيم عليه السلام دعوتَه إلى دين الإسلام وأن الله تعالى هو رب العالمين لا ربَّ سواه، وأخذ يدّعي عِنادًا وتكبّرًا أنه هو الإله وقال لإبراهيم: أخبرني الذي تعبده وتدعو إلى عبادته ما هو، فقال له إبراهيم عليه السلام :{ربّي الذي يُحي ويُميت} وبيّن له أن اللهَ تعالى هو خالق كلّ شىء، واستدلّ على وجودِ الخالقِ بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وإماتتها، وأنّه لا بدّ لهذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر من خالق مسخّر لها ومدبّر، فقال النمرود الجبار المستكبر: أنا أُحيي وأميت أي أنا أحيي من أشاء بالعفوِ عنه بعد أن يكون صدر الحكم عليه بالقتل فينعم بالحياة، وأنا أميتُ من أشاء بأمري وأقضي عليه بحكمي، وقال: ءاخذُ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن الآخر فأكون قد أحييتُه.
ظن نمرود بمقالته هذه البعيدةِ عن الحقيقةِ أنه على صواب، وأرادَ المراوغةَ والاستكبار والعناد، فأراد إبراهيمُ عليه السلام أن يفحمه بالحجّة القويّة ويضيق عليه الخناق ويظهر لهُ جهله وسخف عقله أمام قومه، فأعطاهُ دليلاً قويًّا على أن اللهَ تعالى هو الخالق المدبّر لهذا العالم، وأن ما ادعاهُ عنادًا واستكبارًا باطل فقال له :{فإنَّ اللهَ يأتي بالشمس من المشرقِ فأتِ بها من المغرب} أي أن هذه الشمس مسخّرة كل يوم تطلع من المشرقِ كما سخرها اللهُ الذي هو خالقها وخالق كل شىء، فإن كنت كما زعمت باطلاً أنك تحيي وتميتُ فأتِ بهذه الشمس من المغرب، فإنّ الذي يحيي ويميتُ هو الذي يفعل ما يشاءُ ولا يمانَع ولا يُغالب، وأمام هذه الحجة الساطعة وقف نمرود مبهوتًا مبغوتًا أمام قومه، قال تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَاْ أُحْيِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} (سورة البقرة).
وأمام عناد واستكبار هذا الملك الطاغية واستمراره على غيّه وضلاله، يقال: إن اللهَ بعث إلى ذلك الملك الجبار العنيد ملكًا يأمره بالإيمانِ بالله والدخول في دين الإسلام، فأبى عليه ثم دعاه ثانية فأبى عليه ثم دعاه الثالثةَ فأبى عليه وقال له: اجمع جموعكَ وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل الله عليه ذبابًا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلط اللهُ هذه الحشرات عليهم فأكلت لحومَهم ودماءَهم وتركتهم عظامًا، ودخلت ذبابة في منخر النمرود فمكثت فيه أربعمائةِ سنة عذَّبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمرازب في هذه المدّة كلها حتى أهلكه اللهُ عزّ وجلّ بها.
معجزةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلامفي عدم احتراقه بالنار
أراد قومُ إبراهيم عليه السلام أن ينتقموا من إبراهيم عليه السلام لما كسّر أصنامهم وحطمها وأهانها، فلما غلبهم بحجته القوية الساطعة أرادوا مع ملكهم هذا أن ينتقموا منه فيحرقوه في نار عظيمة فيتخلصوا منهُ قال تعالى مخبرًا عن قولهم :{ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)} (سورة الصافات)، وقال :{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا ءالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)} (سورة الأنبياء)، فشرعوا يجمعونَ الحطب من جميعِ ما يُمكنهم من الأماكن ليلقوهُ بها وجعلوا ذلك قُربانًا لآلهتهم (على زعمهم) حتى قيل إن امرأة منهم كانت إذا مَرضت تنذر لئن عوفيت لتَحملنَّ حطَبًا لحريق إبراهيم، وهذا يدلّ على عظم الحقد المتأجج في صُدورهم ضد إبراهيم عليه السلام. ثمّ عمدوا إلى حفرة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطبَ وأضرموا النار فيها فتأججت والتهبت وعلا لها شررٌ عظيمٌ لم يُر مثله، وكانوا لا يستطيعون لقوة لهبها أن يتقدموا منها، ثُمّ لما كانوا لا يستطيعون أن يُمسكوا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأيديهم ويرموه في هذه النار العظيمةِ لشدّة وهجها، صنعوا المَنجنيق ليرموه من مكان بعيد، فأخذوا يُقيّدون إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام وهو عليه الصلاة والسلام متوكّل على الله حقّ توكله، فلمّا وضعوه عليه السلام في كفّة هذا المنجنيق مُقيّدًا مكتوفًا وألقوه منه إلى وسط النار قال "حسبنا الله ونِعم الوكيل" كما روى ذلك البخاريُّ عن ابن عباس.
فلما أُلقي إبراهيم لم تحرقه النارُ ولم تصبه بأذى ولا ثيابه، لأن النار لا تحرقُ بذاتها وطبعها وإنما الله يَخلقُ الإحراقَ فيها، قال الله :{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} (سورة الأنبياء).
فكانت هذه النار الهائلة العظيمة بَردًا وسلامًا على إبراهيم فلم تحرقه ولم تحرق ثيابه. وقيل: لم تحرق سوى وِثاقه الذي وثقوا وربطوا به إبراهيم عليه السلام. ويُروى عن بعض السلف أن جبريل عليه السلام عرض له في الهواء فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
ولما خبا سَعيرُ هذه النار العظيمة وانقشع دخانها وجدوا إبراهيمَ سليمًا معافى لم يصبه أيُّ أذى فتعجبوا لأمره ونجاته، ومع أنهم رأوا هذه المعجزة الباهرة ظلوا على كُفرهم وعنادهم ولم يُؤمنوا بنبي الله إبراهيم عليه السلام، لقد أرادوا أن ينتصروا لكفرهم فخُذلوا، يقولُ اللهُ تبارك وتعالى :{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70)} (سورة الأنبياء)، وقال :{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ (98)} (سورة الصافات).
هجرةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى بلاد الشام (فلسطين)
ودخوله مصر واستقراره في الأرض المقدسة
أصرّ قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الكفر والضلال ولم يؤمن به إلا نفر قليل منهم، ولما لم يجد إبراهيم عليه السلام منهم إقبالاً إلى الهدى والإيمان أراد أن يهاجر إلى بلد يتمكن فيه من عبادة الله ودعوة الناس فيه إلى الإيمان والإسلام، عَلّه يجد هناك ءاذانًا صاغية وقلوبًا واعية تقبل الحق والإيمان وتُقرُّ بوحدانية الله المَلِك الديان مالك السموات والأرض.
قال تعالى حكاية عن نبيّه إبراهيم عليه السلام: {وقال إنّي ذاهب إلى ربي سيهدين} [سورة الصافات/99] وذلك حين أراد هجرة قومه بعد هذا الإصرار والعناد منهم على كفرهم وضلالهم، أي إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز وجل وهو الشام، أو المعنى: إلى حيث أتمكن فيه من عبادة ربي عز وجل. وقال تعالى في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَءاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [سورة العنكبوت]. وهَاجَر سيدنا إبراهيم عليه السلام مع زوجته سَارة وابن أخيه لوط إلى أرض الشام، وبعث الله تعالى سيدنا لوطًا رسولاً إلى أهل سدوم في أطراف الأردن المؤتفكة، وكانت هجرة إبراهيم عليه السلام إلى برّ الشام بأمر الله فيها بركة، ثم وهبه الله تبارك وتعالى بهجرته هذه في سبيل الله الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب، يقول الله تبارك وتعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} [سورة الأنبياء].
رحيل إبراهيم عليه السلام إلى مصر
يقال: إنه لما ضاقت سُبُل العيش في الشام وعَمَّ القحط رحل إبراهيم عليه السلام إلى مصر وكانت معه زوجته سارة، وكان على هذه الأرض مَلِك كافر جَبّار مُتسلطٌ، وكان قابضًا على زمام الحكم في هذه البلاد، وكان من جملة الفساد الذي عند هذا الملك الخبيث أنه كان إذا دخلت إلى بلدته وأرضه امرأةٌ جميلة يأخذونها إليه ليفعل الفاحشة بها، فلمّا دخل إبراهيم عليه السلام مع زوجته سارة إلى أرض هذا الجبار وكانت سَارَة من أحسن وأجمل النساء وكانت لا تعصي إبراهيم عليه السلام، وصِفَ حُسن وجمال سارة عليها السلام لهذا الملك الجبار الخبيث فأرسل إلى إبراهيمَ
فقال له: من هذه المرأة التي معك؟ ففطن إبراهيم عليه السلام إلى مَقصده الخبيث ومأربه وخَشِي إن أخبره أنها زوجته أن يبيّتَ له الشرّ فيقتله ليتخلص منه فيستأثر بسارة من بعده، فقال له إبراهيم: أختي أي أختي في الإسلام، فظنَّ الملك الجبار أنها غير متزوجة، فطلب منه أن يحضرها إليه في قصره، وذَهَب إبراهيم عليه السلام إلى زوجته سارة وأخبرها بما جرى مع هذا الملك الجبار وقال لها: يا سارة لَيس على وجه الأرض زوجان مؤمنان غيري وغيرك وإنّ هذا سألني فأخبرتُه أنك أختي فلا تكذبيني، ودخلت سارة على هذا الملك الجبار بعد أن قامت وتوضّأت ودَعت الله تعالى أن يكفيَها شر هذا الملك الجبار، فلما رءاها هذا الملك أعجبَ بها ومدَّ يَده إليها ليتناولها بيده لكنه أُخِذ ويَبستْ يده، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعَت الله تبارك وتعالى فانفكت يده بعد يُبسها وعادت إلى طبيعتها، ولكنَّ هذا الخبيث طاوع نفسه الخبيثة وأمرته أن يمدَّ يدَه إلى سارة ليتناولها مرة ثانية، فلما أهوى إليها يَبست له مثلَ المرة الأولى أو أشد، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت سارة الله تعالى فأطلقَ الله يده، فلما رأى هذا الخبيثُ ما رأى رَدَّها إلى إبراهيمَ عليه السلام، ودعا بعض حَجَبته فقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسانٍ إنما أتيتموني بجنيّة، وَوَهب لسارة وأخدمها هاجر، فأقبلت سارة عليها السلام بهاجر إلى زوجها إبراهيمَ عليه السلام وهو قائمٌ يصلي، ثم لمّا سألها إبراهيم عما جرى معها قالت له: كَفاني الله كيدَ الكافرين وأخدَمني هاجر، وقد روى هذه القصة بنحوها البخاري في صحيحه عن أبي هريرة موقوفًا، والبزار في مسنده والإمام أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا.
فائدة: رَوَى البخاريُّ أَنّ سارة زوجة إبراهيم عليه السلام تَوضأت لمّا أتى إبراهيم أرض الجبار، وهذا يدلُّ على أن الوضوءَ كان موجودًا قَبل أمةِ محمد عليه الصلاة والسلام، وفي شريعة الأنبياء السابقين.
مَولد إسماعيل عليه السلام وقصة ماء زمزم
مَكَثَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام مع زوجته سارة في فلسطين واستقرَّ بها وكانت سارة عَقيمًا لا تَلِد وكان يَحزُنها أن تَرى زوجها ليس له وَلَد قيل: كان قد بَلَغ من العمر سِتًّا وثَمانينَ سَنة وهي قد جاوزت السبعين، فَوَهبتْ سارة هَاجَر وأعطتها لزوجها إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقبل إبراهيمُ ذلك فلمَّا أعطت سَارةُ هاجرَ لإبراهيم عليه السلام صارت ملكه وحَلالاً له في شريعة الله لأنها كانت أمة مملوكة، فلما دخل إبراهيم بهاجر وَلَدَت له غلامًا زكيًّا هو سيدنا إسماعيل عليه السلام الذي كان من نَسْله سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففَرِح إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بِهذا المولود الجديد وكذلك فرحت زوجته سارة لفرحه، ولمَّا بلغ إبراهيم مع ابنه إسماعيل وأمه هاجر مكة وكانت هاجر تُرضع ابنها إسماعيل، وضعها إبراهيم مع ابنه عند دَوْحة ـ وهي الشجرة الكبيرة ـ فوق زمزم في أعلى المسجد، في ذلك المكان القفر وليس بمكة يومئذ أحد ولا بُنيان ولا عمران ولا ماء ولا كلأ، تركهما هناك وترك لهما كيسًا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثمَّ لمّا أراد العودة إلى بلاد فلسطين وقفَّى راجعًا لحقته هاجر أمُّ إسماعيل وهي تقول له: يا إبراهيم أين تتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه سمير ولا أنيس؟ وجعلت تقول له ذلك مِرارًا وكان يُريد أن يطيعَ الله فيما أمره عند ذلك فقالت له: ءالله أَمَرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت له بلسان اليقين وبالمنطِق القويم: إذًا لا يُضَيّعُنَا، ثُمَّ رجعت.
ولمّا ابتعدَ إبراهيمُ عن ولده وأمِّ إسماعيل هاجر قليلاً وعند الثنية التفت جهة البيت ووقف يدعو الله تبارك وتعالى ويقول: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} [سورة ابراهيم].
مَكَثَتْ هَاجرُ أُمُّ اسماعيل مع ولدها إسماعيل حَيث وضعهما إبراهيم عليه السلام وصَارتْ ترضع ولدها إسماعيل وتشرب من ذلك الماء الذي تركه لهما إبراهيم، حتى إذا نفد ما في ذلك السقاء عَطشت وعَطِش ابنها وجَعل يَبكي ويَتَلوى من شدة العَطَش، وجعلت تنظر إليه وهو يتلوى، وانطلقت كراهية أن تنظر إليه في هذه الحالة وصارت تُفتّشُ له عن ماء، فوجدت الصفا أقرب جَبَل في الأرض يليها فَصعِدتْ عليه، ثم استقبلت الوادي تَنظرُ هل ترى أَحَدًا، فلم تَرَ أحدًا، فهبطت من الصفا حتى بلغت الوادي وصارت تَسعى سَعيَ المجهود حتى وصلت إلى جَبَل المروة، فَصعدت عليه ونَظَرت فلم تجد أحدًا، فأخذت تذهب وتجىء بين الصفا والمروة سَبْعَ مرات، فلمّا أشرفت على المَرْوة سمعت صوتًا، فقالت: أغثنا إن كان عندك غواثٌ؟ فرأت مَلَكًا وهو جبريل عليه السلام يضرب بِقَدَمِه الأرض حتى ظهر الماء السَلسَبيل العذب وهو ماء زمزم، فجعلت أم اسماعيل تُحوّط الماء وتغرف منه بسقائها وهو يفورُ، وجعل جبريل يقولُ لها: لا تخافي الضياع فإنَّ لله ههنا بَيتًا وأشار إلى أكمة مُرتفعة من الأرض يبنيه هذا الغلام وأبوه. روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم" أو قال: "لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا".
شربت هاجر من ماء زمزم، وارتوت وأرضعت ولدها إسماعيل شاكرة الله الكريم اللطيف على عظيم فضله ورحمته وعنايته، ثم بدأت الطيور تَرِد ذلك الماء وتَحوم حوله، ومَرَّت قبيلةُ جُرهم العربية فرأوا الطيورَ حَائِمة حَول ذلك الماء، فاستدلوا بذلك على وجود الماء، فوص
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
السبت 04 سبتمبر 2010, 11:44 pm
اسمحيلى انى برد عليكى على طول بس انا الحمد لله حافظ كل قصص الانبياء وبعض الروايات وقصص الصحابه
علشان كده ردودى بتيجى مباشره الى جانب انى بقرا الموضوع بتمهل بعد الرد كى اتزكر وايضا اراجع معلوماتى
بارك الله فيكى ان شاء الله وجعل مسواكى الجنه وجعله فى ميزان حسناتك الى يوم الدين
علشان كده ردودى بتيجى مباشره الى جانب انى بقرا الموضوع بتمهل بعد الرد كى اتزكر وايضا اراجع معلوماتى
بارك الله فيكى ان شاء الله وجعل مسواكى الجنه وجعله فى ميزان حسناتك الى يوم الدين
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
قصص الانبياء (سيدنا اسماعيل عليه السلام )
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 2:13 am
نبيُّ الله إسماعيل عليه الصلاة والسلام
قال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (54)} [سورة مريم].
نسبُه
هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمنعليهما الصلاة والسلام، وهو ابن هاجر المصرية التي وهبتها سارة زوجةُإبراهيم إلى زوجها إبراهيم، وهو جدُّ الرسول سيدنا محمد صلى الله عليهوسلم إذ إنّ الرسول عليه السلام يعودُ نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.
بعثته عليه السلام
أرسلَ الله تعالى إسماعيل عليه السلامإلى القبائل العربية التي عاش في وسطها وإلى العماليق وأهل اليمن، فدعاهمإلى الإسلام وعبادة الله وحده، قال الله تعالى: {إِنَّاأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّنَ مِنمبَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَقَ} [سورة النساء]، وهذا مما يدل على أن دين الأنبياء كلِّهم واحد وهو الإسلام.
وقد أَثنى الله عليه ووصفه بالحلموالصبر وصِدق الوعد والمحافظة على الصلاة مع دعوته عليه السلام إلى عبادةالخالق وحده وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله تبارك وتعالى في حق نبيهإسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} [سورة مريم].
البُشرى بإسماعيل عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَقَالَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍحَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّيأَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَالصَّابِرِينَ (102)} [سورة الصافات].
لقد بَشّر الله تبارك وتعالى خليلهإبراهيم عليه السلام بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، وقد رزق به ولهمن العمر سبع وثمانون سنة، ولمّا شبّ إسماعيل وصار يسعى في مصالحه كأبيه،رأى إبراهيمُ عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، ورُؤياالأنبياء وحي، ومن خصائص الأنبياء أن قلوبهم لا تنام إنما تنام أعينهم،فأخبر إبراهيم ولده إسماعيل بهذه الرؤيا فكان موقفَ إسماعيل الصبروالثبات، وأظهر لأبيه التسليم لأمر الله وأنه سيكون عَوْنًا له على طاعةالله، فكان له الدرجات العلى عند الله.
قال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (54)} [سورة مريم].
نسبُه
هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمنعليهما الصلاة والسلام، وهو ابن هاجر المصرية التي وهبتها سارة زوجةُإبراهيم إلى زوجها إبراهيم، وهو جدُّ الرسول سيدنا محمد صلى الله عليهوسلم إذ إنّ الرسول عليه السلام يعودُ نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.
بعثته عليه السلام
أرسلَ الله تعالى إسماعيل عليه السلامإلى القبائل العربية التي عاش في وسطها وإلى العماليق وأهل اليمن، فدعاهمإلى الإسلام وعبادة الله وحده، قال الله تعالى: {إِنَّاأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّنَ مِنمبَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَقَ} [سورة النساء]، وهذا مما يدل على أن دين الأنبياء كلِّهم واحد وهو الإسلام.
وقد أَثنى الله عليه ووصفه بالحلموالصبر وصِدق الوعد والمحافظة على الصلاة مع دعوته عليه السلام إلى عبادةالخالق وحده وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله تبارك وتعالى في حق نبيهإسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} [سورة مريم].
البُشرى بإسماعيل عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَقَالَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍحَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّيأَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَالصَّابِرِينَ (102)} [سورة الصافات].
لقد بَشّر الله تبارك وتعالى خليلهإبراهيم عليه السلام بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، وقد رزق به ولهمن العمر سبع وثمانون سنة، ولمّا شبّ إسماعيل وصار يسعى في مصالحه كأبيه،رأى إبراهيمُ عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، ورُؤياالأنبياء وحي، ومن خصائص الأنبياء أن قلوبهم لا تنام إنما تنام أعينهم،فأخبر إبراهيم ولده إسماعيل بهذه الرؤيا فكان موقفَ إسماعيل الصبروالثبات، وأظهر لأبيه التسليم لأمر الله وأنه سيكون عَوْنًا له على طاعةالله، فكان له الدرجات العلى عند الله.
نشْأةُ إسماعيل وما كان من قصته مع أبيه إبراهيم
لما شب إسماعيل عليه السلام في تلكالبقعة المباركة من مكة المكرمة وترعرع في قبيلة جرهم وتعلم منهم اللغةالعربية وأساليبَها، ولما رأوا عظيمَ سيرته وخلقه زوّجوه من فتاة عربية منقبيلتهم قيل: هي عمارة بنت سعد.
ثمماتت أمه هاجر عليها السلام في مكة، وجاء إبراهيم عليه السلام مرة إلى مكةمن فلسطين يريد أن يتفقد إسماعيل فلم يجد إسماعيلَ عليه السلام فسألامرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم، فقالت: نحن في ضيقوشدة، وشكت إليه، فقال لها إبراهيم: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلاموقولي له: يغير عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل عليه السلام كأنه ءانس شيئًافقال لزوجته: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا وذكرت لهصفته، فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جَهد وشدة،فقال لها إسماعيل: هل أوصاك بشىء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلامويقول لك: غيّر عتبة بابك، فقال عندئذ إسماعيل لزوجته: ذاك أبي وقد أمرنيأن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها عليه السلام وتزوج من قبيلة جرهم امرأةأخرى قيل: هي السيدة بنت مُضاض الجرهمي، وغاب عنهم نبي الله إبراهيم عليهالسلام ما شاء الله، ثم أتاهم بعد مدة فلم يجده فدخل على امرأته فسألهاعنه، فقالت له: خرج يبتغي لنا (أي في أمور المعيشة) قال: كيف أنتم؟ وسألهاعن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل فقال لها:وما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، فدعا عليه الصلاةوالسلام وقال في دعائه: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، ثم قال لها عليهالسلام: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبّت عتبة بابه، فلماجاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة،وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير،فقال لها إسماعيل: أفأوصاك بشىء؟
قالت:نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثْبِت عتبة بابك، فقال لها عند ذلكإسماعيلُ عليه السلام: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم غابإبراهيم عليه السلام عنهما فترة ثم عاد إلى مكة المكرمة ورأى ابنه إسماعيليبري نَبْلاً له تحت دوحة قرب ماء زمزم، فلما رءاه إسماعيل قام إليه يشدهالحنان والشوق إلى أبيه إبراهيم، وصنعا ما يصنع الوالد بالولد والولدبالوالد، ثم قال إبراهيم لولده إسماعيل: إن الله أمرني بأمر، فأخبره بأنالله أمره أن يبنيَ بيتًا وهو المسجد الحرام الكعبة، ودله على المكان فعندذلك تعاون إبراهيم مع ولده إسماعيل على بناء الكعبة ورفعا القواعد منالبيت، وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يبني قالتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُالْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآإِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)} [سورة البقرة].
شىءٌ من سيرته
ذُكر من سيرته أنه أول من ركب الخيلوكانت قبل ذلك وحوشًا فآنسها وركبها ودعا لها بدعوته التي كان أعطيفأجابتْه، وكان إسماعيل عليه السلام قد تكلم بالعربية الفصيحة البليغةالتي تعلمها من قبيلة جرهم الذين نزلوا عندهم بمكة بسبب ماء زمزم الطيبالمبارك.
لما شب إسماعيل عليه السلام في تلكالبقعة المباركة من مكة المكرمة وترعرع في قبيلة جرهم وتعلم منهم اللغةالعربية وأساليبَها، ولما رأوا عظيمَ سيرته وخلقه زوّجوه من فتاة عربية منقبيلتهم قيل: هي عمارة بنت سعد.
ثمماتت أمه هاجر عليها السلام في مكة، وجاء إبراهيم عليه السلام مرة إلى مكةمن فلسطين يريد أن يتفقد إسماعيل فلم يجد إسماعيلَ عليه السلام فسألامرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم، فقالت: نحن في ضيقوشدة، وشكت إليه، فقال لها إبراهيم: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلاموقولي له: يغير عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل عليه السلام كأنه ءانس شيئًافقال لزوجته: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا وذكرت لهصفته، فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جَهد وشدة،فقال لها إسماعيل: هل أوصاك بشىء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلامويقول لك: غيّر عتبة بابك، فقال عندئذ إسماعيل لزوجته: ذاك أبي وقد أمرنيأن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها عليه السلام وتزوج من قبيلة جرهم امرأةأخرى قيل: هي السيدة بنت مُضاض الجرهمي، وغاب عنهم نبي الله إبراهيم عليهالسلام ما شاء الله، ثم أتاهم بعد مدة فلم يجده فدخل على امرأته فسألهاعنه، فقالت له: خرج يبتغي لنا (أي في أمور المعيشة) قال: كيف أنتم؟ وسألهاعن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل فقال لها:وما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، فدعا عليه الصلاةوالسلام وقال في دعائه: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، ثم قال لها عليهالسلام: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبّت عتبة بابه، فلماجاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة،وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير،فقال لها إسماعيل: أفأوصاك بشىء؟
قالت:نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثْبِت عتبة بابك، فقال لها عند ذلكإسماعيلُ عليه السلام: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم غابإبراهيم عليه السلام عنهما فترة ثم عاد إلى مكة المكرمة ورأى ابنه إسماعيليبري نَبْلاً له تحت دوحة قرب ماء زمزم، فلما رءاه إسماعيل قام إليه يشدهالحنان والشوق إلى أبيه إبراهيم، وصنعا ما يصنع الوالد بالولد والولدبالوالد، ثم قال إبراهيم لولده إسماعيل: إن الله أمرني بأمر، فأخبره بأنالله أمره أن يبنيَ بيتًا وهو المسجد الحرام الكعبة، ودله على المكان فعندذلك تعاون إبراهيم مع ولده إسماعيل على بناء الكعبة ورفعا القواعد منالبيت، وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يبني قالتعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُالْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآإِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)} [سورة البقرة].
شىءٌ من سيرته
ذُكر من سيرته أنه أول من ركب الخيلوكانت قبل ذلك وحوشًا فآنسها وركبها ودعا لها بدعوته التي كان أعطيفأجابتْه، وكان إسماعيل عليه السلام قد تكلم بالعربية الفصيحة البليغةالتي تعلمها من قبيلة جرهم الذين نزلوا عندهم بمكة بسبب ماء زمزم الطيبالمبارك.
أولاده
وُلد لإسماعيل عليه السلام من زوجته الثانية وهي السيدة بنت مُضاض الجُرهمي اثنا عشر ولدًا ذكرًا، وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إليه.
وفاته
مَاتَ عليه الصلاة والسلام في مكةالمكرمة بعد أن أدى رسالة ربه وبلّغ ما أمره الله بتبليغه، ودعا إلى دينالإسلام وإلى عبادة الله الملك الديان، ودُفن عليه السلام قرب أمه هاجر فيالحجر، وقيل: كان عمره يوم مات مائة وسبعًا وثلاثين سنة صلوات الله وسلامهعليه. وقد مضى ذِكر شىء من أخباره في قصة أبيه إبراهيم عليه السلام.
وُلد لإسماعيل عليه السلام من زوجته الثانية وهي السيدة بنت مُضاض الجُرهمي اثنا عشر ولدًا ذكرًا، وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إليه.
وفاته
مَاتَ عليه الصلاة والسلام في مكةالمكرمة بعد أن أدى رسالة ربه وبلّغ ما أمره الله بتبليغه، ودعا إلى دينالإسلام وإلى عبادة الله الملك الديان، ودُفن عليه السلام قرب أمه هاجر فيالحجر، وقيل: كان عمره يوم مات مائة وسبعًا وثلاثين سنة صلوات الله وسلامهعليه. وقد مضى ذِكر شىء من أخباره في قصة أبيه إبراهيم عليه السلام.
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
قصص الانبياء (سيدنا اسحاق عليه السلام )
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 2:15 am
نبي الله إسحاق عليه السلام
{وَاذْكُرْعِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِيوَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ *وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 45-47].
ويترجح أنه كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام في فلسطين"، في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.
حياة سيدنا إسحاق عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (100) سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام.
-2أوصى إبراهيم أن لا يتزوج إسحاق إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا مقيمينفي أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه السلام"رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا إبراهيم عليهالسلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.
(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، تتلخص بالنقاط التالية:
-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع.
-2 إثبات أنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه.
-3إثبات أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم -وهيسارة-، فلما سمعت البشرى قالت: "يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاًإن هذا لشيء عجيب؟!".
-4 هو أبو إسرائيل الذي يرجع إليه نبل نسل بني إسرائيل.
{وَاذْكُرْعِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِيوَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ *وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ} [ص: 45-47].
ويترجح أنه كان رسولاً في أرض الكنعانيين "بلاد الشام في فلسطين"، في البيئة التي عاش فيها سيدنا إبراهيم.
حياة سيدنا إسحاق عليه السلام في فقرات:
(أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
-1 لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (100) سنة ولدت له زوجته سارة المرأة العجوز العقيم إسحاق عليه السلام.
-2أوصى إبراهيم أن لا يتزوج إسحاق إلا امرأة من أهل أبيه وقد كانوا مقيمينفي أرض بابل "العراق". ونُفّذت وصية إبراهيم، فتزوج إسحاق عليه السلام"رفقة" بنت بتوئيل بن ناحور بن آزر، وناحور هذا هو أخو سيدنا إبراهيم عليهالسلام، فتكون "رفقة" بنت ابن عمه.
(ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب يسيرة من حياة إسحاق عليه السلام، تتلخص بالنقاط التالية:
-1 إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه، وأنزل إليه طائفة من الشرائع.
-2 إثبات أنه عليم ونبي من الصالحين، وأن الله بارك عليه.
-3إثبات أن الملائكة بشّرت إبراهيم بمولده من زوجته العجوز العقيم -وهيسارة-، فلما سمعت البشرى قالت: "يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاًإن هذا لشيء عجيب؟!".
-4 هو أبو إسرائيل الذي يرجع إليه نبل نسل بني إسرائيل.
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 4:00 pm
بارك الله فيكى يا نونا تسلم ايدك يا رب
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 4:01 pm
اللهم اجعله فى ميزان حسناتك يا رب
الموسوعه بقت روعه بجد تسلمى يا قمر
الموسوعه بقت روعه بجد تسلمى يا قمر
- faNtaZiaوزير تحت الاختبار
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1270
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
العمر : 34
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
القلب :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 5:18 pm
تسلمى يا قمر للتوبيك
جزاكى الله كل خير
جزاكى الله كل خير
- faNtaZiaوزير تحت الاختبار
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1270
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
العمر : 34
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
القلب :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الإثنين 13 سبتمبر 2010, 5:18 pm
جزاك الله كل خير يا قمرايه
- mr.Fire Eagleنائب المدير
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1568
تاريخ التسجيل : 22/12/2009
العمر : 35
العمل/الترفيه : فارس بلا جواد
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
القلب :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الإثنين 18 أكتوبر 2010, 11:27 pm
تم دمج مجموعة مواضيع قصص الانبياء
وجعلها موسوعة كاملة قابلة للقراء وسهلة للرجوع اليها
كما انها بهذا الشكل غير قابلة للضياع وسط الاف المواضيع
ونظرا لانه موضوع متميز ومتجدد تم تثبيته
وتغير الاسم الي قصص الانبيااء موسوعة كاملة
وشكرا
نور
نائب المدير
وجعلها موسوعة كاملة قابلة للقراء وسهلة للرجوع اليها
كما انها بهذا الشكل غير قابلة للضياع وسط الاف المواضيع
ونظرا لانه موضوع متميز ومتجدد تم تثبيته
وتغير الاسم الي قصص الانبيااء موسوعة كاملة
وشكرا
نور
نائب المدير
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الجمعة 22 أكتوبر 2010, 8:20 am
نبي الله يوسف عليه السلام
{الرتِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناًعَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَالْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَمِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}
قد ذكرنا أن يعقوب كان له منالبنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكانأشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلىأنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوحَ إليهم، وظاهر ما ذكر منفعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم)).
قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} وهم إشارة إلى بقية أخوته {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ} هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له، فهاله ذلك.
فلما استيقظ قصها على أبيه،فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيثيخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلايحسدوه، ويبغوا له الغوائل، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.
ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود.
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: يخصك بأنواع اللطف والرحمة.{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك.
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ َ} أي: بالوحي إليك.
{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أي: ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك إسحاق، ووالد جدك إبراهيم الخليل.
لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الناس أكرم؟
قال: ((يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)).
{لَقَدْكَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوالَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌإِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِاطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْبَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوايُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُالسَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}
ينبه تعالى على ما في هذه القصةمن الآيات والحكم، والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف لهعلى محبة أبيه له ولأخيه، يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم، وهم عصبةأي: جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين.
{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}أي: بتقديمه حبهما علينا. ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف، أو إبعادهإلى أرض لا يرجع منها، ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم، وتتوفرعليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك، فلما تمالؤا على ذلك، وتوافقوا عليه.{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: المارة من المسافرين.
فإن كنتم فاعلين لا محالة،فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه، فأجمعوارأيهم على هذا فعند ذلك طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهرواله أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله بهعليم، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بني يشق عليأن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتمفيه، فيأتي الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ} أي: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة، إنا إذا لخاسرون أي: عاجزون هالكون.
{فَلَمَّاذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّوَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ * وَجَاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوايَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَمَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍلَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍقَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌوَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثهمعهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه، فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعالوالمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي: في قعره على راعوفته، وهيالصخرة التي تكون في وسطه، يقف عليها المائح - وهو الذي ينزل ليملي الدلاءإذا قل الماء - والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح.
فلما ألقوه فيه، أوحى الله إليهأنه لا بدَّ لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتخبرن إخوتكبصنيعهم هذا، في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك، خائفون منك
وذكر بكاء إخوة يوسف، وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم
}قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي: في غيبتنا عنه في استباقنا.
وقولهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي:وما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمينعندك، فكيف وأنت تتهمنا في هذا، فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لايأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لناوالحالة هذه.
{وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}أي: مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه علىقميصه، ليوهموا أنه أكله الذئب، قالوا ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذبالنسيان.
ولما ظهرت عليهم علائم الريبةلم يرُج صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه علىمحبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التيكانت عليه في صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته.
ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه، وغيبوه عن عينيه، جاؤا وهم يتباكون وعلى ما تمالئوا عليه يتواطئون، ولهذا {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشاربوضعه في الجب، ليأخذه من حيث لا يشعرون، ويرده إلى أبيه، فغافلوه وباعوهلتلك القافلة. فلما جاء روبيل من آخر النار ليُخرج يوسف لم يجده، فصاح وشقثيابه، وعمد أولئك إلى جدي فذبحوه، ولطخوا من دمه جبة يوسف، فلما علميعقوب شق ثيابه، ولبس مئزراً أسود وحزن على ابنه أياماً كثيرة، وهذهالركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير.
و قال تعالى: {وَجَاءتْسَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَىهَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَايَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍوَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ }
يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب:
أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفهبه، فجاءت سيارة أي: مسافرون. قاصدين ديار مصر من الشام، فأرسلوا بعضهمليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف، فلما رآه ذلكالرجل:
{قَالَ يَابُشْرَى} أي: يا بشارتي
{هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي: أوهموا أنه معهم غلام من جملة تجارتهم
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا، فاشتروه منهم بثمن بخس أي: قليل نزر. وقيل: هو الزيف.
{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قال ابن مسعود: باعوه بعشرين درهماً، اقتسموها درهمين درهمين.
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}
أي: أحسني إليه.{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وهذا من لطف الله به، ورحمته وإحسانه إليه، بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة.
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير بها الذي تكون الخزائن مسلمة إليه.
ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين ديناراً.
وقيل: بوزنه مسكاً، ووزنه حريراً، ووزنه ورقاً، فالله أعلم.
وقوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} أي: وكما قيضنا هذا العزيز، وامرأته يحسنان إليه، ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر
{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: فهمها، وتعبير الرؤيا من ذلك.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أي: إذا أراد شيئاً، فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدي إليها العباد، ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد، وهو حد الأربعين الذي يوحيالله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.
{وَرَاوَدَتْهُالَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَوَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }
يذكر تعالى ما كان من مراودةامرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحالهومقامه، وهي في غاية الجمال، والمال، والمنصب، والشباب، وكيف غلقت الأبوابعليها وعليه وتهيأت له، وتصنعت، ولبست أحسن ثيابها، وأفخر لباسها، وهي معهذا كله امرأة الوزير.
قال ابن إسحاق:وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر، وهذا كله مع أن يوسف عليهالسلام شاب بديع الجمال والبهاء، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمهربه عن الفحشاء، وحماه من مكر النساء، فهو سيد السادة النجباء
كما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الحديث:
((سبعةيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خالياًففاضت عيناه، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلانتحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذاتمنصب وجمال فقال إني أخاف الله)).
والمقصود: أنها دعته إليها، وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال:
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} يعني: زوجها صاحب المنزل سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي: أحسن إليَّ، وأكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}
أكثر أقوال المفسرين ههنا متلقىمن كتب أهل الكتاب، فالإعراض عنه أولى بنا. والذي يجب أن يعتقد أن اللهتعالى عصمه، وبرأه، ونزهه عن الفاحشة، وحماه عنها، وصانه منها، ولهذا قالتعالى:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي: هرب منها طالباً إلى الباب ليخرج منه، فراراً منها، فاتبعته في أثره , فوجدا زوجها لدى الباب، فبدرته بالكلام وحرضته عليه
{قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام:
{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} فقال:
{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته، وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان.
ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي: هذا الذي جرى من مكركن، أنت راودته عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل، ثم ضرب بعلها عن هذا صفحاً فقال:
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}أي: لا تذكره لأحد، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرهابالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تابإلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدونالأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب، ويؤاخذ بها هو الله وحده لاشريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت مالا صبر لها على مثله، إلا أنه عفيف، نزيه، بريء العرض، سليم الناحية،فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}.
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاًإِنَّالَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّارَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَلِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }
يذكر تعالى ما كان من قبل نساءالمدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز،وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساويهذا، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن:
{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ}أي: بتشنيعهن عليها، والتنقص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحبمولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أنتبسط عذرها عندهن، وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل مالديهن.
فأرسلت إليهن فجمعتهن فيمنزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطعبالسكاكين، كالأترج ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكيناً، وكانت قد هيأت يوسفعليه السلام، وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرتهبالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: أعظمنه، وأجللنه وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم.
وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء:
((فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن)).
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه.
وقال غيره:كان في الغالب مبرقعاً لئلا يراه الناس، ولهذا لما قام عذر امرأة العزيزفي محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهنبجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}.
ثم مدحته بالعصمة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع. {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته، فأبى أشد الإباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين:
{قَالَرَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّاتَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَالْجَاهِلِينَ} يعني: إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي إلاالعجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فأنا ضعيفالا ما قويتني، وعصمتني، وحفظتني، وحطني بحولك وقوتك. ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ }
يذكر تعالى عن العزيز وامرأتهأنهم بدا لهم أي: ظهر لهم من الرأي بعدما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلىوقت، ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهرواأنه راودها عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلماً وعدواناً، وكان هذا مماقدر الله له.
ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم، ومخالطتهم
قال الله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}قيل: كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل: بنو، والآخر خبازه يعني: الذييلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك: الجاشنكير. واسمه فيما قيل: مجلث، كانالملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما.
فلما رأيا يوسف في السجنأعجبهما سمته، وهديه، ودله، وطريقته، وقوله، وفعله، وكثرة عبادته ربه،وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه.
أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب، فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه.
ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل من السل الأعلى، فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما.
وقالا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها.
و {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} قيل: معناه مهما رأيتما من حلم، فإني أعبره لكم قبل وقوعه، فيكون كما أقول.
وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه، حلواً أو حامضاً كما قال عيسى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}.
وقال لهما: إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به، موحد له، متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل، واسحاق، ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي: بأن هدانا لهذا.
{وَعَلَى النَّاسِ}أي: بأن أمرنا أن ندعوهم إليه، ونرشدهم، وندلهم عليه، وهو في فطرهم مركوزوفي جبلتهم ثم دعاهم إلى التوحيد، وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمرالأوثان، وحقرها، وضعف أمرها، فقال:
{يَاصَاحِبَيِالسِّجْنِ آرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُالْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءًسَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْسُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}
أي: هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد، الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} قالوا: وهو الساقي.
{وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز.
{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي: وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على حالة، ولهذا جاء في الحديث:
((الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت)).
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُنَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما، وهو الساقي {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعنياذكر أمري، وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل علىجواز السعي في الأسباب، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
وقوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} أي: فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام.
(فلبث يوسف في السجن بضع سنين) والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع. وقيل: إلى السبع. وقيل: إلى الخمس. وقيل: ما دون العشرة. حكاها الثعلبي.
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌعِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَاالْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَاتَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِالْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ }
هذا كان من جملة أسباب خروجيوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصروهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بنلاوذ بن سام بن نوح، رأى هذه الرؤيا.
قال أهل الكتاب: رأى كأنه علىحافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن في روضة هناك،فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، فرتعن معهن، ثم ملن عليهن، فأكلنهنفاستيقظ مذعوراً.
ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر فيقصبة واحدة، وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن، فاستيقظ مذعوراً، فلماقصَّها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أي: أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك.
ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} فعندذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينههذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك، فلما سمع رؤيا الملكورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار.
فقال لقومه وللملك: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} أي: فأرسلوني إلى يوسف.
فجاءه فقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍيَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَيَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}
فبذل يوسف عليه السلام ما عندهمن العلم بلا تأخر، ولا شرط، ولا طلب الخروج سريعاً، بل أجابهم إلى ماسألوا، وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب،ويعقبها سبع جدب.
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني: يأتيهم الغيث، والخصب، والرفاهية.
{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني: ماكانوا يعصرونه من الأقصاب، والأعناب، والزيتون، والسمسم، وغيرها، فعبرلهم، وعلى الخير دلهم، وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم، وجدبهم،وما يفعلونه من ادخار حبوب سني الخصب في السبع الأول في سنبله، إلا مايرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذالغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم،وكمال الرأي والفهم.
لما أحاط الملك علماً بكمال علميوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله، ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضارهإلى حضرته، ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرسول بذلك، أحب أن لا يخرجحتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء الساحة مما نسبوهإليه بهتاناً.
قال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني: الملك
{فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي، أي فأمر الملكفليسألهن كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي، وحثهن لي على الأمرالذي ليس برشيد ولا سديد.
فلما سئلن عن ذلك، أعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} فعند ذلك {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي: زليخا {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ظهر، وتبين، ووضح، والحق أحق أن يتبع {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي: فيما يقوله من أنه بريء، وأنه لم يراودني، وأنه حبس ظلماً، وعدواناً، وزوراً، وبهتاناً.
{وَقَالَالْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُقَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِيعَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }
لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه، مما نسبوه إليه، قال:
ائتونى به أجعله من خاصتي، ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله
قال له: إنك ذو مكانة وأمانة
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}طلب أن يوليه الخزائن التى سيخزنوا فيها النحاصيل خلال سبع سنى الخصبلينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم، والرفق بهم.
وأخبر الملك إنه حفيظ أي: قوي على حفظ ما لديه، أمين عليه، عليم بضبط الأشياء
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي: بعد السجن، والضيق، صار مطلق الركاب بديار مصر.
{وَجَاءَإِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُمُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍلَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاخَيْرُ الْمُنْزِلِينَ }.
يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسفعليه السلام إلى الديار المصرية، يطلبون طعاماً، وذلك بعد إتيان سُنيالجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد.
وكان يوسف عليه السلام إذ ذاكالحاكم في أمور الديار المصرية، ديناً ودنيا، فلما دخلوا عليه عرفهم، ولميعرفوه، لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانةوالعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي: أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه
{قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}وكان قد سألهم عن حالهم، وكم هم، فقالوا كنا اثني عشر رجلاً، فذهب مناواحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني بهمعكم.
{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} أي: قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به.
قال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} أي: فلست أعطيكم شئ
{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي: سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن.
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الطعام في أمتعتهم، من حيث لا يشعرون بها.
{لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم، وقيل: خشي أن لا يكون عندهم مايرجعون به مرة ثانية، وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الطعام.
وعند أهل الكتاب: أنها كانت صرراً من ورق وهو أشبه والله أعلم.
{فَلَمَّارَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُفَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَهَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْقَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي} قالوا أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا.
{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } أي: نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم، ومحلهم و نزداد بقدومه معنا من الكيل
وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه، ويتسلى به عنه، ويتعوض بسببه منه.
فلهذا قال: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي: إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به.
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}فأرسله معهم بعد أن أتوه موثقهم ولن يغني حذر من قدر. ولولا حاجته وحاجةقومه إلى الميرة، لما بعث الولد العزيز، ولكن الأقدار لها أحكام، والربتعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء، وهو الحكيم العليم.
ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينةمن باب واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة، قيل: أراد أن لا يصيبهم أحدبالعين، وذلك لأنهم كانوا أشكالاً حسنة، وصوراً بديعة ولهذا قال:
{وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}.
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حيندخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف، وإيوائه إليه وإخباره له سراً عنهمبأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه
ثم احتال على أخذه منهم، وتركهإياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته - وهي التي كان يشرب بها، ويكيلبها للناس الطعام عن غرته -في متاع بنيامين، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقواصواع الملك، ووعدهم جعالة على رده حمل بعير، وضمنه المنادي لهم، فأقبلواعلى من اتهمهم بذلك، فأنَّبوه وهجنوه فيما قاله لهم.
و {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة.
{قَالُوافَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْوُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه
قال الله تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} ليكون ذلك أبعد للتهمه وأبلغ في الحيلة.
ثم قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي: لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه، لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر.
{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون يوسف.
قيل: كان قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره.
وقيل:كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقة كانت لإسحاق ثماستخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندهاوفي حضانتها لمحبتها له.
وقيل : كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء.
وقوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم سراً لا جهراً، حلماً وكرما وصفحاً وعفواً فدخلوا معه في الترقق والتعطف.
فقالوا: {يَاأَيُّهَاالْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُإِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْنَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاًلَظَالِمُونَ} أي: إن أطلقنا المتهم، وأخذنا البريء هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
{فَلَمَّااسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْتَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَاللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَالْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَخَيْرُ الْحَاكِمِينَ }
يقول تعالى مخبراً عنهم أنهملما استيأسوا من أخذه منه، خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم - وهوروبيل – ألم تعلموا أن أباكم أخذ عليكم عهدا لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيهكما فرطتم في أخيه يوسف من قبله، فلم يبقَ لي وجه أقابله به. فلا أزالمقيماً ههنا حتى يأذن لى أبى في القدوم عليه، أو يحكم الله لى بأن يقدرنيعلى رد أخي إلى أبي
[b]{ارْجِعُوا
{الرتِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناًعَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَالْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَمِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}
قد ذكرنا أن يعقوب كان له منالبنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكانأشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلىأنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوحَ إليهم، وظاهر ما ذكر منفعالهم ومقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم)).
قال المفسرون وغيرهم: رأى يوسف عليه السلام وهو صغير قبل أن يحتلم كأن {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} وهم إشارة إلى بقية أخوته {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ} هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له، فهاله ذلك.
فلما استيقظ قصها على أبيه،فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية، ورفعة عظيمة في الدنيا والآخرة، بحيثيخضع له أبواه وإخوته فيها، فأمره بكتمانها وأن لا يقصها على إخوته كيلايحسدوه، ويبغوا له الغوائل، ويكيدوه بأنواع الحيل والمكر.
ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود.
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: وكما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أي: يخصك بأنواع اللطف والرحمة.{وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: يفهمك من معاني الكلام وتعبير المنام ما لا يفهمه غيرك.
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ َ} أي: بالوحي إليك.
{كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} أي: ينعم عليك ويحسن إليك بالنبوة كما أعطاها أباك يعقوب، وجدك إسحاق، ووالد جدك إبراهيم الخليل.
لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الناس أكرم؟
قال: ((يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)).
{لَقَدْكَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوالَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌإِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِاطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْبَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوايُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُالسَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ}
ينبه تعالى على ما في هذه القصةمن الآيات والحكم، والدلالات والمواعظ والبينات، ثم ذكر حسد إخوة يوسف لهعلى محبة أبيه له ولأخيه، يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم، وهم عصبةأي: جماعة يقولون: فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين.
{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}أي: بتقديمه حبهما علينا. ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف، أو إبعادهإلى أرض لا يرجع منها، ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم، وتتوفرعليهم وأضمروا التوبة بعد ذلك، فلما تمالؤا على ذلك، وتوافقوا عليه.{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} أي: المارة من المسافرين.
فإن كنتم فاعلين لا محالة،فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالاً من قتله أو نفيه وتغريبه، فأجمعوارأيهم على هذا فعند ذلك طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف، وأظهرواله أنهم يريدون أن يرعى معهم، وأن يلعب وينبسط، وقد أضمروا له ما الله بهعليم، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم: يا بني يشق عليأن أفارقه ساعة من النهار، ومع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم وما أنتمفيه، فيأتي الذئب فيأكله، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره وغفلتكم عنه
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ} أي: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا ونحن جماعة، إنا إذا لخاسرون أي: عاجزون هالكون.
{فَلَمَّاذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّوَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ * وَجَاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوايَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَمَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍلَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍقَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌوَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثهمعهم، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه، فجعلوا يشتمونه ويهينونه بالفعالوالمقال، وأجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي: في قعره على راعوفته، وهيالصخرة التي تكون في وسطه، يقف عليها المائح - وهو الذي ينزل ليملي الدلاءإذا قل الماء - والذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح.
فلما ألقوه فيه، أوحى الله إليهأنه لا بدَّ لك من فرج ومخرج من هذه الشدة التي أنت فيها، ولتخبرن إخوتكبصنيعهم هذا، في حال أنت فيها عزيز وهم محتاجون إليك، خائفون منك
وذكر بكاء إخوة يوسف، وقد جاءوا أباهم عشاء يبكون، أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم
}قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا} أي ثيابنا {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} أي: في غيبتنا عنه في استباقنا.
وقولهم {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} أي:وما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له، ولو كنا غير متهمينعندك، فكيف وأنت تتهمنا في هذا، فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لايأكله لكثرتنا حوله، فصرنا غير مصدقين عندك، فمعذور أنت في عدم تصديقك لناوالحالة هذه.
{وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}أي: مكذوب مفتعل، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها، فأخذوا من دمها فوضعوه علىقميصه، ليوهموا أنه أكله الذئب، قالوا ونسوا أن يخرقوه، وآفة الكذبالنسيان.
ولما ظهرت عليهم علائم الريبةلم يرُج صنيعهم على أبيهم، فإنه كان يفهم عداوتهم له، وحسدهم إياه علىمحبته له من بينهم أكثر منهم، لما كان يتوسم فيه من الجلالة والمهابة التيكانت عليه في صغره، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته.
ولما راودوه عن أخذه، فبمجرد ما أخذوه أعدموه، وغيبوه عن عينيه، جاؤا وهم يتباكون وعلى ما تمالئوا عليه يتواطئون، ولهذا {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
وعند أهل الكتاب: أن روبيل أشاربوضعه في الجب، ليأخذه من حيث لا يشعرون، ويرده إلى أبيه، فغافلوه وباعوهلتلك القافلة. فلما جاء روبيل من آخر النار ليُخرج يوسف لم يجده، فصاح وشقثيابه، وعمد أولئك إلى جدي فذبحوه، ولطخوا من دمه جبة يوسف، فلما علميعقوب شق ثيابه، ولبس مئزراً أسود وحزن على ابنه أياماً كثيرة، وهذهالركاكة جاءت من خطئهم في التعبير والتصوير.
و قال تعالى: {وَجَاءتْسَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَىهَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَايَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍوَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ }
يخبر تعالى عن قصة يوسف حين وضع في الجب:
أنه جلس ينتظر فرج الله ولطفهبه، فجاءت سيارة أي: مسافرون. قاصدين ديار مصر من الشام، فأرسلوا بعضهمليستقوا من ذلك البئر، فلما أدلى أحدهم دلوه تعلق فيه يوسف، فلما رآه ذلكالرجل:
{قَالَ يَابُشْرَى} أي: يا بشارتي
{هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أي: أوهموا أنه معهم غلام من جملة تجارتهم
ولما استشعر إخوة يوسف بأخذ السيارة له لحقوهم وقالوا هذا غلامنا أبق منا، فاشتروه منهم بثمن بخس أي: قليل نزر. وقيل: هو الزيف.
{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} قال ابن مسعود: باعوه بعشرين درهماً، اقتسموها درهمين درهمين.
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}
أي: أحسني إليه.{عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وهذا من لطف الله به، ورحمته وإحسانه إليه، بما يريد أن يؤهله له ويعطيه من خيري الدنيا والآخرة.
قالوا: وكان الذي اشتراه من أهل مصر عزيزها، وهو الوزير بها الذي تكون الخزائن مسلمة إليه.
ثم قيل: اشتراه العزيز بعشرين ديناراً.
وقيل: بوزنه مسكاً، ووزنه حريراً، ووزنه ورقاً، فالله أعلم.
وقوله: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} أي: وكما قيضنا هذا العزيز، وامرأته يحسنان إليه، ويعتنيان به مكنا له في أرض مصر
{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي: فهمها، وتعبير الرؤيا من ذلك.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أي: إذا أراد شيئاً، فإنه يقيض له أسباباً وأموراً لا يهتدي إليها العباد، ولهذا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}فدل على أن هذا كله كان وهو قبل بلوغ الأشد، وهو حد الأربعين الذي يوحيالله فيه إلى عباده النبيين عليهم الصلاة والسلام من رب العالمين.
{وَرَاوَدَتْهُالَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَوَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَمَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }
يذكر تعالى ما كان من مراودةامرأة العزيز ليوسف عليه السلام عن نفسه، وطلبها منه ما لا يليق بحالهومقامه، وهي في غاية الجمال، والمال، والمنصب، والشباب، وكيف غلقت الأبوابعليها وعليه وتهيأت له، وتصنعت، ولبست أحسن ثيابها، وأفخر لباسها، وهي معهذا كله امرأة الوزير.
قال ابن إسحاق:وبنت أخت الملك الريان بن الوليد صاحب مصر، وهذا كله مع أن يوسف عليهالسلام شاب بديع الجمال والبهاء، إلا أنه نبي من سلالة الأنبياء، فعصمهربه عن الفحشاء، وحماه من مكر النساء، فهو سيد السادة النجباء
كما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الحديث:
((سبعةيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجل ذكر الله خالياًففاضت عيناه، ورجل معلق قلبه بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلانتحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذاتمنصب وجمال فقال إني أخاف الله)).
والمقصود: أنها دعته إليها، وحرصت على ذلك أشد الحرص، فقال:
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} يعني: زوجها صاحب المنزل سيدي {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي: أحسن إليَّ، وأكرم مقامي عنده {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقد تكلمنا على قوله
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}
أكثر أقوال المفسرين ههنا متلقىمن كتب أهل الكتاب، فالإعراض عنه أولى بنا. والذي يجب أن يعتقد أن اللهتعالى عصمه، وبرأه، ونزهه عن الفاحشة، وحماه عنها، وصانه منها، ولهذا قالتعالى:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} أي: هرب منها طالباً إلى الباب ليخرج منه، فراراً منها، فاتبعته في أثره , فوجدا زوجها لدى الباب، فبدرته بالكلام وحرضته عليه
{قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} اتهمته وهي المتهمة، وبرأت عرضها، ونزهت ساحتها، فلهذا قال يوسف عليه السلام:
{هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} احتاج إلى أن يقول الحق عند الحاجة
{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} فقال:
{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي: لأنه يكون قد راودها فدافعته حتى قدت مقدم قميصه.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أي: لأنه يكون قد هرب منها فاتبعته، وتعلقت فيه فانشق قميصه لذلك وكذلك كان.
ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} أي: هذا الذي جرى من مكركن، أنت راودته عن نفسه. ثم اتهمته بالباطل، ثم ضرب بعلها عن هذا صفحاً فقال:
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}أي: لا تذكره لأحد، لأن كتمان مثل هذه الأمور هو الأليق والأحسن، وأمرهابالاستغفار لذنبها الذي صدر منها، والتوبة إلى ربها، فإن العبد إذا تابإلى الله تاب الله عليه.
وأهل مصر وإن كانوا يعبدونالأصنام إلا أنهم يعلمون أن الذي يغفر الذنوب، ويؤاخذ بها هو الله وحده لاشريك له في ذلك. ولهذا قال لها بعلها، وعذرها من بعض الوجوه، لأنها رأت مالا صبر لها على مثله، إلا أنه عفيف، نزيه، بريء العرض، سليم الناحية،فقال: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}.
{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاًإِنَّالَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّأَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّارَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَلِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }
يذكر تعالى ما كان من قبل نساءالمدينة، من نساء الأمراء، وبنات الكبراء في الطعن على امرأة العزيز،وعيبها، والتشنيع عليها في مراودتها فتاها، وحبها الشديد له، وهو لا يساويهذا، لأنه مولى من الموالي وليس مثله أهلاً لهذا، ولهذا قلن:
{إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: في وضعها الشيء في غير محله.
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ}أي: بتشنيعهن عليها، والتنقص لها، والإشارة إليها بالعيب والمذمة بحبمولاها، وعشق فتاها، فأظهرن ذماً، وهي معذورة في نفس الأمر، فلهذا أحبت أنتبسط عذرها عندهن، وتبين أن هذا الفتى ليس كما حسبن، ولا من قبيل مالديهن.
فأرسلت إليهن فجمعتهن فيمنزلها، واعتدت لهن ضيافة مثلهن، وأحضرت في جملة ذلك شيئا مما يقطعبالسكاكين، كالأترج ونحوه، وأتت كل واحدة منهن سكيناً، وكانت قد هيأت يوسفعليه السلام، وألبسته أحسن الثياب، وهو في غاية طراوة الشباب، وأمرتهبالخروج عليهن بهذه الحالة، فخرج وهو أحسن من البدر لا محالة
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أي: أعظمنه، وأجللنه وهبنه، وما ظنن أن يكون مثل هذا في بني آدم.
وبهرهن حسنه حتى اشتغلن عن أنفسهن، وجعلن يحززن في أيديهن بتلك السكاكين، ولا يشعرن بالجراح: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}.
وقد جاء في حديث الإسراء:
((فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن)).
قال ابن مسعود: وكان وجه يوسف مثل البرق، وكان إذا أتته امرأة لحاجة غطى وجهه.
وقال غيره:كان في الغالب مبرقعاً لئلا يراه الناس، ولهذا لما قام عذر امرأة العزيزفي محبتها لهذا المعنى المذكور، وجرى لهن وعليهن ما جرى، من تقطيع أيديهنبجراح السكاكين، وما ركبهن من المهابة والدهش عند رؤيته ومعاينته: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ}.
ثم مدحته بالعصمة التامة فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي: امتنع. {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ}.
وكان بقية النساء حرضنه على السمع والطاعة لسيدته، فأبى أشد الإباء، ونأى لأنه من سلالة الأنبياء، ودعا فقال في دعائه لرب العالمين:
{قَالَرَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّاتَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَالْجَاهِلِينَ} يعني: إن وكلتني إلى نفسي، فليس لي من نفسي إلاالعجز والضعف، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فأنا ضعيفالا ما قويتني، وعصمتني، وحفظتني، وحطني بحولك وقوتك. ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ }
يذكر تعالى عن العزيز وامرأتهأنهم بدا لهم أي: ظهر لهم من الرأي بعدما علموا براءة يوسف أن يسجنوه إلىوقت، ليكون ذلك أقل لكلام الناس في تلك القضية، وأخمد لأمرها، وليظهرواأنه راودها عن نفسها، فسجن بسببها، فسجنوه ظلماً وعدواناً، وكان هذا مماقدر الله له.
ومن جملة ما عصمه به فإنه أبعد له عن معاشرتهم، ومخالطتهم
قال الله: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ}قيل: كان أحدهما ساقي الملك واسمه فيما قيل: بنو، والآخر خبازه يعني: الذييلي طعامه، وهو الذي يقول له الترك: الجاشنكير. واسمه فيما قيل: مجلث، كانالملك قد اتهمهما في بعض الأمور فسجنهما.
فلما رأيا يوسف في السجنأعجبهما سمته، وهديه، ودله، وطريقته، وقوله، وفعله، وكثرة عبادته ربه،وإحسانه إلى خلقه، فرأى كل واحد منهما رؤيا تناسبه.
أما الساقي فرأى كأن ثلاث قضبان من حبلة وقد أورقت وأينعت عناقيد العنب، فأخذها فاعتصرها في كأس الملك وسقاه.
ورأى الخباز على رأسه ثلاث سلال من خبز، وضواري الطيور تأكل من السل الأعلى، فقصاها عليه وطلبا منه أن يعبرهما لهما.
وقالا {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فأخبرهما أنه عليم بتعبيرها خبير بأمرها.
و {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} قيل: معناه مهما رأيتما من حلم، فإني أعبره لكم قبل وقوعه، فيكون كما أقول.
وقيل: معناه إني أخبركما بما يأتيكما من الطعام قبل مجيئه، حلواً أو حامضاً كما قال عيسى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}.
وقال لهما: إن هذا من تعليم الله إياي لأني مؤمن به، موحد له، متبع ملة آبائي الكرام إبراهيم الخليل، واسحاق، ويعقوب {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} أي: بأن هدانا لهذا.
{وَعَلَى النَّاسِ}أي: بأن أمرنا أن ندعوهم إليه، ونرشدهم، وندلهم عليه، وهو في فطرهم مركوزوفي جبلتهم ثم دعاهم إلى التوحيد، وذم عبادة ما سوى الله عز وجل، وصغر أمرالأوثان، وحقرها، وضعف أمرها، فقال:
{يَاصَاحِبَيِالسِّجْنِ آرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُالْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءًسَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْسُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}
أي: هو المتصرف في خلقه الفعال لما يريد، الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
ثم لما قام بما وجب عليه، وأرشد إلى ما أرشد إليه، قال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} قالوا: وهو الساقي.
{وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: وهو الخباز.
{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} أي: وقع هذا لا محالة، ووجب كونه على حالة، ولهذا جاء في الحديث:
((الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت)).
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُنَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}
يخبر تعالى أن يوسف عليه السلام قال للذي ظنه ناجياً منهما، وهو الساقي {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} يعنياذكر أمري، وما أنا فيه من السجن بغير جرم عند الملك. وفي هذا دليل علىجواز السعي في الأسباب، ولا ينافي ذلك التوكل على رب الأرباب.
وقوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} أي: فأنسى الناجي منهما الشيطان أن يذكر ما وصاه به يوسف عليه السلام.
(فلبث يوسف في السجن بضع سنين) والبضع: ما بين الثلاث إلى التسع. وقيل: إلى السبع. وقيل: إلى الخمس. وقيل: ما دون العشرة. حكاها الثعلبي.
{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌعِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَاالْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَاتَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِالْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ }
هذا كان من جملة أسباب خروجيوسف عليه السلام من السجن على وجه الاحترام والإكرام، وذلك أن ملك مصروهو الريان بن الوليد بن ثروان بن اراشه بن فاران بن عمرو بن عملاق بنلاوذ بن سام بن نوح، رأى هذه الرؤيا.
قال أهل الكتاب: رأى كأنه علىحافة نهر، وكأنه قد خرج منه سبع بقرات سمان، فجعلن يرتعن في روضة هناك،فخرجت سبع هزال ضعاف من ذلك النهر، فرتعن معهن، ثم ملن عليهن، فأكلنهنفاستيقظ مذعوراً.
ثم نام فرأى سبع سنبلات خضر فيقصبة واحدة، وإذا سبع أخر دقاق يابسات فأكلنهن، فاستيقظ مذعوراً، فلماقصَّها على ملئه وقومه لم يكن فيهم من يحسن تعبيرها بل {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أي: أخلاط أحلام من الليل لعلها لا تعبير لها ومع هذا فلا خبرة لنا بذلك.
ولهذا قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} فعندذلك تذكر الناجي منهما الذي وصاه يوسف بأن يذكره عند ربه فنسيه إلى حينههذا. وذلك عن تقدير الله عز وجل وله الحكمة في ذلك، فلما سمع رؤيا الملكورأى عجز الناس عن تعبيرها، تذكر أمر يوسف، وما كان أوصاه به من التذكار.
فقال لقومه وللملك: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} أي: فأرسلوني إلى يوسف.
فجاءه فقال: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍيَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَيَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}
فبذل يوسف عليه السلام ما عندهمن العلم بلا تأخر، ولا شرط، ولا طلب الخروج سريعاً، بل أجابهم إلى ماسألوا، وعبر لهم ما كان من منام الملك الدال على وقوع سبع سنين من الخصب،ويعقبها سبع جدب.
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} يعني: يأتيهم الغيث، والخصب، والرفاهية.
{وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يعني: ماكانوا يعصرونه من الأقصاب، والأعناب، والزيتون، والسمسم، وغيرها، فعبرلهم، وعلى الخير دلهم، وأرشدهم إلى ما يعتمدونه في حالتي خصبهم، وجدبهم،وما يفعلونه من ادخار حبوب سني الخصب في السبع الأول في سنبله، إلا مايرصد بسبب الأكل ومن تقليل البذر في سني الجدب في السبع الثانية، إذالغالب على الظن أنه لا يرد البذر من الحقل، وهذا يدل على كمال العلم،وكمال الرأي والفهم.
لما أحاط الملك علماً بكمال علميوسف عليه الصلاة والسلام، وتمام عقله، ورأيه السديد وفهمه، أمر بإحضارهإلى حضرته، ليكون من جملة خاصته، فلما جاءه الرسول بذلك، أحب أن لا يخرجحتى يتبين لكل أحد أنه حبس ظلماً وعدواناً، وأنه بريء الساحة مما نسبوهإليه بهتاناً.
قال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} يعني: الملك
{فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}قيل: معناه إن سيدي العزيز يعلم براءتي مما نسب إلي، أي فأمر الملكفليسألهن كيف كان امتناعي الشديد عند مراودتهن إياي، وحثهن لي على الأمرالذي ليس برشيد ولا سديد.
فلما سئلن عن ذلك، أعترفن بما وقع من الأمر، وما كان منه من الأمر الحميد {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} فعند ذلك {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} وهي: زليخا {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} أي: ظهر، وتبين، ووضح، والحق أحق أن يتبع {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أي: فيما يقوله من أنه بريء، وأنه لم يراودني، وأنه حبس ظلماً، وعدواناً، وزوراً، وبهتاناً.
{وَقَالَالْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُقَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِيعَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }
لما ظهر للملك براءة عرضه، ونزاهة ساحته عما كانوا أظهروا عنه، مما نسبوه إليه، قال:
ائتونى به أجعله من خاصتي، ومن أكابر دولتي، ومن أعيان حاشيتي، فلما كلمه وسمع مقاله وتبين حاله
قال له: إنك ذو مكانة وأمانة
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}طلب أن يوليه الخزائن التى سيخزنوا فيها النحاصيل خلال سبع سنى الخصبلينظر فيها بما يرضي الله في خلقه من الاحتياط لهم، والرفق بهم.
وأخبر الملك إنه حفيظ أي: قوي على حفظ ما لديه، أمين عليه، عليم بضبط الأشياء
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} أي: بعد السجن، والضيق، صار مطلق الركاب بديار مصر.
{وَجَاءَإِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُمُنْكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍلَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاخَيْرُ الْمُنْزِلِينَ }.
يخبر تعالى عن قدوم إخوة يوسفعليه السلام إلى الديار المصرية، يطلبون طعاماً، وذلك بعد إتيان سُنيالجدب وعمومها على سائر البلاد والعباد.
وكان يوسف عليه السلام إذ ذاكالحاكم في أمور الديار المصرية، ديناً ودنيا، فلما دخلوا عليه عرفهم، ولميعرفوه، لأنهم لم يخطر ببالهم ما صار إليه يوسف عليه السلام من المكانةوالعظمة، فلهذا عرفهم وهم له منكرون.
قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أي: أعطاهم من الميرة ما جرت به عادته في إعطاء كل إنسان حمل بعير لا يزيده عليه
{قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ}وكان قد سألهم عن حالهم، وكم هم، فقالوا كنا اثني عشر رجلاً، فذهب مناواحد وبقي شقيقه عند أبينا فقال: إذا قدمتم من العام المقبل فأتوني بهمعكم.
{أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} أي: قد أحسنت نزلكم وقراكم فرغبهم ليأتوه به ثم رهبهم إن لم يأتوه به.
قال: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ} أي: فلست أعطيكم شئ
{قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} أي: سنجتهد في مجيئه معنا، وإتيانه إليك بكل ممكن.
ثم أمر فتيانه أن يضعوا بضاعتهم وهي ما جاءوا به يتعوضون به عن الطعام في أمتعتهم، من حيث لا يشعرون بها.
{لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}قيل: أراد أن يردوها إذا وجدوها في بلادهم، وقيل: خشي أن لا يكون عندهم مايرجعون به مرة ثانية، وقيل: تذمم أن يأخذ منهم عوضاً عن الطعام.
وعند أهل الكتاب: أنها كانت صرراً من ورق وهو أشبه والله أعلم.
{فَلَمَّارَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُفَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَهَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْقَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم بعد رجوعهم إلى أبيهم، وقولهم له: {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} بعد عامنا هذا إن لم ترسل معنا أخانا، فإن أرسلته معنا لم يمنع منا.
{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي} قالوا أي شيء نريد وقد ردت إلينا بضاعتنا.
{وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ } أي: نمتار لهم، ونأتيهم بما يصلحهم في سنتهم، ومحلهم و نزداد بقدومه معنا من الكيل
وكان يعقوب عليه السلام أضن شيء بولده بنيامين لأنه كان يشم فيه رائحة أخيه، ويتسلى به عنه، ويتعوض بسببه منه.
فلهذا قال: {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} أي: إلا أن تغلبوا كلكم عن الإتيان به.
{فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}فأرسله معهم بعد أن أتوه موثقهم ولن يغني حذر من قدر. ولولا حاجته وحاجةقومه إلى الميرة، لما بعث الولد العزيز، ولكن الأقدار لها أحكام، والربتعالى يقدر ما يشاء، ويختار ما يريد، ويحكم ما يشاء، وهو الحكيم العليم.
ثم أمرهم أن لا يدخلوا المدينةمن باب واحد، ولكن ليدخلوا من أبواب متفرقة، قيل: أراد أن لا يصيبهم أحدبالعين، وذلك لأنهم كانوا أشكالاً حسنة، وصوراً بديعة ولهذا قال:
{وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}.
{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
يذكر تعالى ما كان من أمرهم حيندخلوا بأخيهم بنيامين على شقيقه يوسف، وإيوائه إليه وإخباره له سراً عنهمبأنه أخوه، وأمره بكتم ذلك عنهم، وسلاه عما كان منهم من الإساءة إليه
ثم احتال على أخذه منهم، وتركهإياه عنده دونهم، فأمر فتيانه بوضع سقايته - وهي التي كان يشرب بها، ويكيلبها للناس الطعام عن غرته -في متاع بنيامين، ثم أعلمهم بأنهم قد سرقواصواع الملك، ووعدهم جعالة على رده حمل بعير، وضمنه المنادي لهم، فأقبلواعلى من اتهمهم بذلك، فأنَّبوه وهجنوه فيما قاله لهم.
و {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} يقولون: أنتم تعلمون منا خلاف ما رميتمونا به من السرقة.
{قَالُوافَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْوُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} وهذه كانت شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه
قال الله تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} ليكون ذلك أبعد للتهمه وأبلغ في الحيلة.
ثم قال الله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} أي: لولا اعترافهم بأن جزاءه من وجد في رحله فهو جزاؤه، لما كان يقدر يوسف على أخذه منهم في سياسة ملك مصر.
{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون يوسف.
قيل: كان قد سرق صنم جده أبي أمه فكسره.
وقيل:كانت عمته قد علقت عليه بين ثيابه وهو صغير منطقة كانت لإسحاق ثماستخرجوها من بين ثيابه، وهو لا يشعر بما صنعت، وإنما أرادت أن يكون عندهاوفي حضانتها لمحبتها له.
وقيل : كان يأخذ الطعام من البيت فيطعمه الفقراء.
وقوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} أجابهم سراً لا جهراً، حلماً وكرما وصفحاً وعفواً فدخلوا معه في الترقق والتعطف.
فقالوا: {يَاأَيُّهَاالْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُإِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْنَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاًلَظَالِمُونَ} أي: إن أطلقنا المتهم، وأخذنا البريء هذا ما لا نفعله ولا نسمح به، وإنما نأخذ من وجدنا متاعنا عنده.
{فَلَمَّااسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْتَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَاللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَالْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَخَيْرُ الْحَاكِمِينَ }
يقول تعالى مخبراً عنهم أنهملما استيأسوا من أخذه منه، خلصوا يتناجون فيما بينهم، قال كبيرهم - وهوروبيل – ألم تعلموا أن أباكم أخذ عليكم عهدا لقد أخلفتم عهده وفرطتم فيهكما فرطتم في أخيه يوسف من قبله، فلم يبقَ لي وجه أقابله به. فلا أزالمقيماً ههنا حتى يأذن لى أبى في القدوم عليه، أو يحكم الله لى بأن يقدرنيعلى رد أخي إلى أبي
[b]{ارْجِعُوا
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:09 pm
بشكر كل واحد دخل ويا رب اكون قدرت افيد واستفيد
واسفه على قله ردودى داخل هذا الموضوع بس بحاول اجمع القصص جنب بعضها
فياريت اللى يدخل يستفيد فقط بدون وضع ردود حتى اكتمال السلسلة
ولو فيه اى تعليق عن حاجه معينه يبعتلى رساله فقط بون وضع ردود الى ان تكتمل سلسله القصص باذن الله
واسفه على قله ردودى داخل هذا الموضوع بس بحاول اجمع القصص جنب بعضها
فياريت اللى يدخل يستفيد فقط بدون وضع ردود حتى اكتمال السلسلة
ولو فيه اى تعليق عن حاجه معينه يبعتلى رساله فقط بون وضع ردود الى ان تكتمل سلسله القصص باذن الله
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:11 pm
<blockquote class="postcontent restore ">
</blockquote>
نَبيُّ الله لوط عليه الصلاة والسلام
قال الله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)} [سورة الصافات]، وقال تعالى:{وَلُوطًاإِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ(54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)} [سورة النمل].
عَدَد المرات التي ذكر فيها لوط في القرءان الكريم
لوطعليه الصلاة والسلام هو من الأنبياء والرسل الكرام، وقد ذكره الله تباركوتعالى في القرءانِ الكريم سَبْعًا وعشرين مرة، في الأعراف وهود والحِجروالشُّعراء والنمل وغيرها من سور القرءان، هذا وقد ذكرت قصته مع قومهمفصَّلة في بعض السور ومُجْمَلة في البعض الآخر.
نسبُهُ عليه السلام
هو لوط بن هارانبن تارح ـ يعني ءازر ـ وقد بَعَثه الله تعالى في زمن إبراهيم عليه الصلاةوالسلام، وهو ابن أخيه لأن هاران هو أخو إبراهيم وناحور. واسم لوط عجميليس عربيًّا وليس مشتقًا من اللواط لأن اللواط لفظ عربي تصريفه لاط يلوطلِواطًا أي فعل تلك الفاحشة، ولا يليق بمنصب الأنبياء أن يكون اسم أحدهممشتقًا من لفظٍ معناه خبيث.
وقد صدَّقَ لوط بدعوة عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام واهتدى بهديه، قال الله تعالى في القرءان: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)} [سورة العنكبوت].
وقد هاجر لوطعليه السلام مع عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام من العراق وتبعه فيجميع أسفاره ورحلاته، ثم بعثه الله تبارك وتعالى إلى أهل سدوم في الأردنِقُربَ البحر الميت.
مُقدِمة عن قوم لوط الذين بُعِث وأرسل إليهم لوط عليه السلام
كان نبيُّ اللهلوط عليه السلام قد نَزح عن محلة عمه إبراهيم الخليل بإذنه فنزل بمدينةسدوم كما أمره الله تعالى وهي في أطراف شرق الأردن قُرب البحر الميت،وكانت هذه المدينة لها قرى مضافة إليها.
وكان قوم سدوم منأكفر الناس وأفجرهم وأخبثهم طويّة وأقبحهم سيرة، فقد كانوا ذوي أخلاقرديئة ونفوس خبيثة لا يستحون من مُنكر ولا يتعففون عن معصية، وكانوايقطعون السبيل على المسافرين ويأتون في ناديهم المنكر ولا يتناهون عنالمنكرات فيما بينهم، وكانوا ابتدعوا جريمة نكراء وذنبًا شنيعًا اشتهروابه، لم يسبقهم إليه أحد من أهل الأرض وهي إتيان الذكور ـ أي اللواط ـ قالتعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {أَتَأْتُونَالذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْرَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166} [سورة الشعراء].
ولقدكان قوم لوط من قساوة قلوبهم وفساد أخلاقهم يتجاهرون بفعل فاحشة اللواطولا يستترون ولا يستحون، فلما بعث الله تعالى نبيَّهُ لوطًا إليهم دعاهمإلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطي هذهالمحرمات والمنكرات وتلك الأفاعيل المستقبحة، ولكنهم استمروا على كفرهموإشراكهم وتمادَوا في ضلالهم وطغيانهم وفي المجاهرة بفعل اللواط. وقيل: إنالذي حملهم على إتيان الرجال دون النساء أنهم كانت لهم بساتين وثمار فيمنازلهم وبساتين وثمار خارجة على ظهر الطريق وأنهم أصابهم قحط شديد وجوعفقال بعضهم لبعض: إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة عن أبناء السبيل والمسافرينكان لكم فيها معاش، فقالوا: كيف نَمْنَعُها؟ فأقبل بعضهم على بعض فقالوا:اجعلوا سُنَّتكم ـ أي عادتكم وطريقتكم ـ فيها أنَّ من وجدتموه في بلادكمغريبًا فاسلبوه وانكحوه فإن الناس لا يَطَئون أرضكم، وزَيّن لهم الشيطانهذا الفعل الخبيث، فكانوا كذلك حتى بعث الله لهم لوطًا عليه الصلاةوالسلام فدعاهم إلى عبادة الله وترك هذه المحرمات والفواحش، قال اللهتبارك وتعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَلِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍمِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّندُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى: {إِذْقَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْرَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّالْعَالَمِينَ (164)} [سورة الشعراء]. ولكنهمتمادوا في غيِّهم وضلالهم ولم يزدهم وعظ نبيهم وأمره لهم بالمعروف ونهيُهلهم عن المنكر إلا تماديًا وتكبّرًا وطغيانًا واستعجالاً لعقاب اللهإنكارًا منهم لوعيده وتكذيبًا منهم لنبيّ الله لوط عليه الصلاة والسلام،
فقدكانوا يقولون له: ائتنا بعذاب الله إن كُنتَ من الصادقين، ولم يكتفوا بهذاالتكذيب والاستكبار بل أخذوا يهددونه بالطرد من قريتهم وهمُّوا بإخراجنبيّ الله من بين ظَهْرانيهم وهذا مُنتهى السَّفَه والعناد والتكبر، قالالله تبارك وتعالى :{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى :{قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} [سورة الشعراء].
قِصةُ الملائكة ضيوف لوط عليه السلام
أمام إصرار قوملوط على كُفرهم وطغيانهم وانغماسهم في المنكرات والفواحش وعدم الإيمانبنبي الله لوط عليه السلام، سأل لوط عليه الصلاة والسلام ربَّه النُّصرةعليهم لما أصروا على كفرهم وتمادوا في غيّهم، قال تعالى حكاية عن نبيه لوطعليه السلام: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)} [سورة الشعراء]، وقال: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [سورة العنكبوت].
أراد الله تباركوتعالى نصر نبيه لوط وإهلاك أُولئك الكفار الخبثاء فأَرسل الله عز وجل إلىقوم لوط ملائكة كِرامًا لإهلاكهم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ليقلبواقراهم عاليها سافلها ويُنزلوا العذابَ بهم وكانت لهم مدائن أربع، وكانعددهم يزيد على أربعمائة ألف
قال الله تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)} [سورة الصافات]، وقال تعالى:{وَلُوطًاإِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ(54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِبَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)} [سورة النمل].
عَدَد المرات التي ذكر فيها لوط في القرءان الكريم
لوطعليه الصلاة والسلام هو من الأنبياء والرسل الكرام، وقد ذكره الله تباركوتعالى في القرءانِ الكريم سَبْعًا وعشرين مرة، في الأعراف وهود والحِجروالشُّعراء والنمل وغيرها من سور القرءان، هذا وقد ذكرت قصته مع قومهمفصَّلة في بعض السور ومُجْمَلة في البعض الآخر.
نسبُهُ عليه السلام
هو لوط بن هارانبن تارح ـ يعني ءازر ـ وقد بَعَثه الله تعالى في زمن إبراهيم عليه الصلاةوالسلام، وهو ابن أخيه لأن هاران هو أخو إبراهيم وناحور. واسم لوط عجميليس عربيًّا وليس مشتقًا من اللواط لأن اللواط لفظ عربي تصريفه لاط يلوطلِواطًا أي فعل تلك الفاحشة، ولا يليق بمنصب الأنبياء أن يكون اسم أحدهممشتقًا من لفظٍ معناه خبيث.
وقد صدَّقَ لوط بدعوة عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام واهتدى بهديه، قال الله تعالى في القرءان: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)} [سورة العنكبوت].
وقد هاجر لوطعليه السلام مع عمه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام من العراق وتبعه فيجميع أسفاره ورحلاته، ثم بعثه الله تبارك وتعالى إلى أهل سدوم في الأردنِقُربَ البحر الميت.
مُقدِمة عن قوم لوط الذين بُعِث وأرسل إليهم لوط عليه السلام
كان نبيُّ اللهلوط عليه السلام قد نَزح عن محلة عمه إبراهيم الخليل بإذنه فنزل بمدينةسدوم كما أمره الله تعالى وهي في أطراف شرق الأردن قُرب البحر الميت،وكانت هذه المدينة لها قرى مضافة إليها.
وكان قوم سدوم منأكفر الناس وأفجرهم وأخبثهم طويّة وأقبحهم سيرة، فقد كانوا ذوي أخلاقرديئة ونفوس خبيثة لا يستحون من مُنكر ولا يتعففون عن معصية، وكانوايقطعون السبيل على المسافرين ويأتون في ناديهم المنكر ولا يتناهون عنالمنكرات فيما بينهم، وكانوا ابتدعوا جريمة نكراء وذنبًا شنيعًا اشتهروابه، لم يسبقهم إليه أحد من أهل الأرض وهي إتيان الذكور ـ أي اللواط ـ قالتعالى حكاية عن لوط عليه السلام: {أَتَأْتُونَالذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْرَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166} [سورة الشعراء].
ولقدكان قوم لوط من قساوة قلوبهم وفساد أخلاقهم يتجاهرون بفعل فاحشة اللواطولا يستترون ولا يستحون، فلما بعث الله تعالى نبيَّهُ لوطًا إليهم دعاهمإلى دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطي هذهالمحرمات والمنكرات وتلك الأفاعيل المستقبحة، ولكنهم استمروا على كفرهموإشراكهم وتمادَوا في ضلالهم وطغيانهم وفي المجاهرة بفعل اللواط. وقيل: إنالذي حملهم على إتيان الرجال دون النساء أنهم كانت لهم بساتين وثمار فيمنازلهم وبساتين وثمار خارجة على ظهر الطريق وأنهم أصابهم قحط شديد وجوعفقال بعضهم لبعض: إن منعتم ثماركم هذه الظاهرة عن أبناء السبيل والمسافرينكان لكم فيها معاش، فقالوا: كيف نَمْنَعُها؟ فأقبل بعضهم على بعض فقالوا:اجعلوا سُنَّتكم ـ أي عادتكم وطريقتكم ـ فيها أنَّ من وجدتموه في بلادكمغريبًا فاسلبوه وانكحوه فإن الناس لا يَطَئون أرضكم، وزَيّن لهم الشيطانهذا الفعل الخبيث، فكانوا كذلك حتى بعث الله لهم لوطًا عليه الصلاةوالسلام فدعاهم إلى عبادة الله وترك هذه المحرمات والفواحش، قال اللهتبارك وتعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَلِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍمِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّندُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى: {إِذْقَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْرَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّالْعَالَمِينَ (164)} [سورة الشعراء]. ولكنهمتمادوا في غيِّهم وضلالهم ولم يزدهم وعظ نبيهم وأمره لهم بالمعروف ونهيُهلهم عن المنكر إلا تماديًا وتكبّرًا وطغيانًا واستعجالاً لعقاب اللهإنكارًا منهم لوعيده وتكذيبًا منهم لنبيّ الله لوط عليه الصلاة والسلام،
فقدكانوا يقولون له: ائتنا بعذاب الله إن كُنتَ من الصادقين، ولم يكتفوا بهذاالتكذيب والاستكبار بل أخذوا يهددونه بالطرد من قريتهم وهمُّوا بإخراجنبيّ الله من بين ظَهْرانيهم وهذا مُنتهى السَّفَه والعناد والتكبر، قالالله تبارك وتعالى :{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)} [سورة الأعراف]، وقال تعالى :{قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (167)} [سورة الشعراء].
قِصةُ الملائكة ضيوف لوط عليه السلام
أمام إصرار قوملوط على كُفرهم وطغيانهم وانغماسهم في المنكرات والفواحش وعدم الإيمانبنبي الله لوط عليه السلام، سأل لوط عليه الصلاة والسلام ربَّه النُّصرةعليهم لما أصروا على كفرهم وتمادوا في غيّهم، قال تعالى حكاية عن نبيه لوطعليه السلام: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)} [سورة الشعراء]، وقال: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30)} [سورة العنكبوت].
أراد الله تباركوتعالى نصر نبيه لوط وإهلاك أُولئك الكفار الخبثاء فأَرسل الله عز وجل إلىقوم لوط ملائكة كِرامًا لإهلاكهم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل ليقلبواقراهم عاليها سافلها ويُنزلوا العذابَ بهم وكانت لهم مدائن أربع، وكانعددهم يزيد على أربعمائة ألف
فمرّهؤلاء الملائكة الكرام في طريقهم إلى قرى قوم لوط على إبراهيم الخليلعليهالسلام بأمرِ اللهِ تعالى وكانوا قد تشكلوا بصورة رجال حِسان الوجوهفبشّروه بغلام حليم وهو إسحاق عليه السلام ومن وراء إسحاق يعقوب، وأخبروهأنهم ذاهبون للانتقام من قوم لوط أهل سدوم وتوابعها وأنَّ الله أمرهمبإهلاك أهل هذه المدائن الذين كانوا يعملون الخبائث وتدميرها، وعندما سمعإبراهيم عليه السلام ما قال له الملائكة وما أُرسلوا به من العذاب تخوّفَعلى ابن أخيه لوط عليه السلام أن يصيبه القلق فقال لهم: إنّ فيها لوطًا،فأخبروه بأنهم أعلم بمن فيها وأنّ الله عز وجل سيُنجي لوطًا وأهله إلاامرأته الكافرة التي لم تؤمن به وصارت تعين أولئك الكافرين على هذا العملالخبيث، يَقُولُ الله تبارك وتعالى:{وَلَمَّاجَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوأَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَإِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَالَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَالْغَابِرِينَ (32)} [سورة الحجر] وقال تعالى :{قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (58) إِلاَّ ءالَلُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلاَّ امْرَأَتَهُقَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)} (سورة الحجر).
وقال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}[سورة هود] قيل: إنّ سيدنا إبراهيم خليل الرحمن كان يرجو من قوم لوط أنيُجيبوا نبي الله لوطًا ويُسلموا ويُقْلعوا عن غيّهم وضلالهم، لذلك لماعلم أن رسل الله الملائكة جاءوا لينزلوا العذاب بقوم لوط ويدمروا عليهمقراهم صار يُجادلهم في ذلك،
قال تعالى:{إِنَّإِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْعَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءاتِيهِمْعَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)} [سورة هود]، قيل: إن رسل الله الملائكةَ الكرام عندما سمعوا جدال إبراهيم في قوم لوط قالوا له {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} يعني الجدال {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} أي بعذابهم أي قد جاء عذاب ربك فليس بمردود لأن الله قد قضى به.
تنبيه:يظن بعض جهلة المتصوفة أن معنى أواه أن إبراهيم كان يذكر بآه وهذا غيرصحيح، فإن الأواه من يُظهر خشيةَ الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهانيّ فيالمفردات، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: "الأوّاه: الرحيم" رواه الحاكم فيالمستدرك بإسناد صحيح.
خرجت الملائكةُمن عند نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام وتوجهوا نحو قرية سدوم وهيأكبر قرى قوم لوط في الأردن، وكانوا قد جاءوا بصور شبان جميلي الصورةاختبارًا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، ولمّا وصلوا القريةعند الظهيرة جاءوا إلى نبي الله لوط فدخلوا عليه في صورة شبان مُرد جميلينتشرق وجوههم بنضارة الشباب والجمال ولم يخبروه في البداية بحقيقتهم، فظننبي الله لوط أنهم ضيوف جاءوا يستضيفونه فرحّب بهم وخَشِي إن لم يضفهم أنيضيفهم غيره، ولكنه عليه الصلاة والسلام اغتمّ من دخولهم عليه وقت الظهيرةلأنه خاف عليهم من أولئك الأشرار المجرمين، ولا سيما أنهم كانوا من حيثالصُورة في منتهى الحسن والجمال، وخشي أن يكون قد رءاهم واحد من قومه حيندخلوا عليه فيذهب فيخبر قومه،
لذلك أشفق نبي الله لوط عليهم وخاف من قومه أن يعتدوا عليهم، قال الله تبارك وتعالى {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}[سورة هود] أي شديد بلاؤه حيث كان يدرك خبث نفوس قومه وفسادَ طويتهم، وكانقومه عليه السلام قد اشترطوا عليه أنْ لا يُضيف أحدًا، ولكنه رأى أناستضافة من جاءه، أمرٌ لا مَحيد عنه خوفًا عليهم من شر قومه وفسادهموشذوذهم.
وسُرعان ما حصلما كان يخشاه إذ خرجت امرأته وكانت امرأةً كافرة خبيثة تتبعُ هوى قومها،فأخبرتْ قومها وقالت لهم: إنَّ في بيت لوط رجالاً ما رأيتُ مثل وجوههم قط،وما إن سمع قوم لوط الخبر حتى أقبلوا مُسرعين يهرعون إلى بيت نبي الله لوطعليه السلام يريدون الاعتداء على ضيوف لوط عليه السلام، وأخذ نبي الله لوطعليه السلام يجادل قومه المُفسدين بالحسنى ويناقشهم باللطف واللين لعلَّفيهم من يَرتَدعُ عن غيه وضلاله، ودعاهم عليه السلام إلى سلوك الطريقةالشرعية المباحة وهي أن يتزوجوا بنات القرية وأن يكتفوا بنسائهم ولايعتدوا.
ولكنَّ قومهالخُبثاء رَفَضوا نصيحته، وصارحوه بغرضهم السيء من غير استحياء ولا خجلوقالوا له: ما لنا في بناتك من حق ـ يريدون أنهم ليسوا في حاجة إلى بناتالقرية ـ وأخبروه أنهم لا يرغبون إلا في أولئك الشبان الحسان الذين هم فيبيته ضيوفًا. عند ذلك ازداد همُّه وغمُّه عليه الصلاة والسلام وتمنى أن لوكان له بهم قوة أو كان له منعة أو عشيرة في قومه فينصرونه عليهم.
يقولُ الله تبارك وتعالى: { وَلَمَّاجَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَهَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنقَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءبَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِيضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَمَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍشَدِيدٍ (80)} [سورة هود]،
ويقال إنّ لوطًاعليه السلام كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وأخذ يناظر ويجادلقومه من وراء الباب وهم يعالجون الباب ليفتحوه، فلما رأت الملائكة ما يلقىنبي الله لوط عليه السلام من كربٍ شديد أخبروه بحقيقتهم وأنهم ليسوا بشرًاوإنما هم ملائكة ورسل الله قدموا وجاءوا لإهلاك هذه القرية بأمر من اللهلأن أهلها كانوا ظالمين بكفرهم وفسادهم، وأمروه أن يخرج من أرض قومه معأهله ليلاً قبل طلوع الصبح لأن موعد إهلاكهم سيكونُ في وقت الصبح، يقولالله تبارك وتعالىإخبارًا عما قال الملائكة لنبيه لوط عليه السلام: {قَالُواْيَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِبِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌإِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّمَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
ويروى أنّ نبيالله لوطًا عليه الصلاة والسلام لما جَعَل يُمانع قومه أن يدخلوا بيتهويدافعهم والباب مغلق، وهم يَرومون ويُريدون فتحه، استأذن جبريلُ عليهالسلام ربَّه في عقوبتهم فأذِن له، فخرج عليه السلام إليهم وضرَب وجوهَهمبطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل: إنها غارت بالكلية ولم يبقَ لها محل ولاعين ولا أثر.
فانصرفوايتحسسون الحيطان ويتوعدون ويُهددون نبيَّ اللهِ لوطًا عليه السلام، عندذلك قال نبي الله للملائكة: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال لهم: لوأهلكتموهم الآن، فقالوا له: أليس الصبح بقريب، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْرَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِيوَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38)} [سورة القمر].
هلاكُ قوم لوط وإنزال العذاب بهم
يقولُ الله تعالى حكاية عن ملائكته وما أخبروا به نبيه لوطًا عليه السلام: {قَالُواْيَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِبِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌإِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّمَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
أَمَرَ رُسُلُالله الملائكة نبيَّ الله لوطًا أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبلطلوع الشمس، وأمروه بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما سينزل بقومه الكافرينمن عذاب، وأن امرأته ستلتفت ويُصيبها ما أصاب قومَها، فقد ذُكر أنها لمّاخرجت مع زوجها لوط عليه السلام وسمعت صيحة العذاب وما نزل بقومها التفتتوقالت: "واقوماه" فأصابها حَجَرٌ فأهلكها مع الهالكين.
وجَاءَ قومَ لوط من أمر الله مَا لا يُرَدّ، ومن العذاب الشديد ما لا يُصد، يقولُ الله عز وجل: {فَلَمَّاجَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَاحِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَاهِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود].
لقد أَدْخَلَ جبريل عليه السلام الذي وصفه الله تبارك وتعالى في القرءان بقوله: {ذي قوة عند ذي العرش مكين}[سورة التكوير] ريشة واحدة من أجنحته في قراهم ومُدنهم وكانت أربعة أوخَمْسَة واقتلعهنّ من أصلهنّ وقرارهن بمن فيهن من قوم لوط الكافرين وكانواكما قيل: أربعمائة ألف شخص، وما معهم من البهائم فرفع الجميعَ حتى بلغ بهنعنان السماء حتى سمع الملائكةُ الذين في السماء الأولى أصوات دَيَكَتِهِمونُباح كلابهم، ثم قَلَبها عليهم فجعل عَاليَها سافلها أي لم يَردَّها كماكانت وإنما ردَّها مقلوبة بمشيئة الله وقدرته، من دون تعب ولا مشقة، وأرسلعليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل، يقول الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُالصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَاوَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74)} [سورة الحجر]، ويقول تعالى في ءاية أخرى: {وَأَمْطَرْنَاعَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَرَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}[سورة هود] أي يتبعُ بعضها بعضًا في نزولها عليهم من السماء قيل: أيْمُعَلَّمَةً مكتوبًا على كلّ حجر اسمُ صاحبه الذي يهبط عليه ويقتله، ويقولتبارك وتعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ ءالاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)} [سورة النجم] والمؤتفكةُ هي قرى قوم لوط عليه السلام،
قيل:أي قلبها فأهوى بها مُنكّسة عاليها سافلها وغشاها بمطر من حجارة من سجيلمتتابعة، وكانت مُسَوَّمَةً مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه،وما إن أشرقت الشمس حتى كانت القرى بمن فيها خرابًا ودمارًا يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [سورة هود].
زوجةُ لوط عليه السلام مع الهالكين
أهلك الله تباركوتعالى زوجة نبيه لوط عليه الصلاة والسلام مع الهالكين لأنها كذبتْ نبيهلوطا عليه السلام ولم تؤمن به ولم تدخل في دين الإسلام، بل بقيتْ كافرةًمع قومها راضية بأفعالهم الخسيسة وصفاتهم المذمومة، فَحَلّ بها من السخَطوالعذاب ما حلّ بقومها جزاء لها على كفرها وتعاطفها مع قومها، ولم ينفعهاعند الله أنها كانت زوجةَ نبي الله لوط عليه السلام وهي باقيةٌ على الكفروالضلال، يقول الله جل وعلا في مُحكم تنزيله:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)} [سورة الأعراف]، ويقول عز من قائل: {ضَرَبَاللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍكَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَافَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَمَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} [سورة التحريم].
والمراد بالخيانةهنا الخيانة في الدين، فإنهما لم تتبعاهما في دين الإسلام، بل بقيتا علىالكفر والضلال ولم ينفعهما أنهما زوجتا نبيين من أنبياء الله عظيمين وهمانوح ولوط عليهما الصلاة والسلام،
وليسالمراد بالخيانة هنا الزنى وأنهما كانتا على الفاحشة، ويروى عن ابن عباسوغيره من أئمة السلف والخلف :"ما بغتْ ـ أي زنت ـ امرأة نبيّ قط". وقيل:إن اسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة"، روى الحاكم في المستدركعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} [سورة التحريم] قال: "ما زنتا، أما امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون، وأما امرأة لوط فكانت تدل على الضيف، فذلك خيانتهما".
وصف لوط عليه السلام
روى الحاكم فيالمستدرك عن كعب الأحبار قال: "كان لوط نبيَّ الله وكان ابن أخي ابراهيم،وكان رجلاً أبيض، حسنَ الوجه، دقيق الأنف، صغير الأذن، طويل الأصابع، جيدالثنايا، أحسن الناس إذا ضحك، وأحسنهم وأرزنهم وأحكمهم.
وقال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}[سورة هود] قيل: إنّ سيدنا إبراهيم خليل الرحمن كان يرجو من قوم لوط أنيُجيبوا نبي الله لوطًا ويُسلموا ويُقْلعوا عن غيّهم وضلالهم، لذلك لماعلم أن رسل الله الملائكة جاءوا لينزلوا العذاب بقوم لوط ويدمروا عليهمقراهم صار يُجادلهم في ذلك،
قال تعالى:{إِنَّإِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْعَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءاتِيهِمْعَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)} [سورة هود]، قيل: إن رسل الله الملائكةَ الكرام عندما سمعوا جدال إبراهيم في قوم لوط قالوا له {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} يعني الجدال {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} أي بعذابهم أي قد جاء عذاب ربك فليس بمردود لأن الله قد قضى به.
تنبيه:يظن بعض جهلة المتصوفة أن معنى أواه أن إبراهيم كان يذكر بآه وهذا غيرصحيح، فإن الأواه من يُظهر خشيةَ الله تعالى كما ذكر الراغب الأصفهانيّ فيالمفردات، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: "الأوّاه: الرحيم" رواه الحاكم فيالمستدرك بإسناد صحيح.
خرجت الملائكةُمن عند نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام وتوجهوا نحو قرية سدوم وهيأكبر قرى قوم لوط في الأردن، وكانوا قد جاءوا بصور شبان جميلي الصورةاختبارًا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة للحجة عليهم، ولمّا وصلوا القريةعند الظهيرة جاءوا إلى نبي الله لوط فدخلوا عليه في صورة شبان مُرد جميلينتشرق وجوههم بنضارة الشباب والجمال ولم يخبروه في البداية بحقيقتهم، فظننبي الله لوط أنهم ضيوف جاءوا يستضيفونه فرحّب بهم وخَشِي إن لم يضفهم أنيضيفهم غيره، ولكنه عليه الصلاة والسلام اغتمّ من دخولهم عليه وقت الظهيرةلأنه خاف عليهم من أولئك الأشرار المجرمين، ولا سيما أنهم كانوا من حيثالصُورة في منتهى الحسن والجمال، وخشي أن يكون قد رءاهم واحد من قومه حيندخلوا عليه فيذهب فيخبر قومه،
لذلك أشفق نبي الله لوط عليهم وخاف من قومه أن يعتدوا عليهم، قال الله تبارك وتعالى {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}[سورة هود] أي شديد بلاؤه حيث كان يدرك خبث نفوس قومه وفسادَ طويتهم، وكانقومه عليه السلام قد اشترطوا عليه أنْ لا يُضيف أحدًا، ولكنه رأى أناستضافة من جاءه، أمرٌ لا مَحيد عنه خوفًا عليهم من شر قومه وفسادهموشذوذهم.
وسُرعان ما حصلما كان يخشاه إذ خرجت امرأته وكانت امرأةً كافرة خبيثة تتبعُ هوى قومها،فأخبرتْ قومها وقالت لهم: إنَّ في بيت لوط رجالاً ما رأيتُ مثل وجوههم قط،وما إن سمع قوم لوط الخبر حتى أقبلوا مُسرعين يهرعون إلى بيت نبي الله لوطعليه السلام يريدون الاعتداء على ضيوف لوط عليه السلام، وأخذ نبي الله لوطعليه السلام يجادل قومه المُفسدين بالحسنى ويناقشهم باللطف واللين لعلَّفيهم من يَرتَدعُ عن غيه وضلاله، ودعاهم عليه السلام إلى سلوك الطريقةالشرعية المباحة وهي أن يتزوجوا بنات القرية وأن يكتفوا بنسائهم ولايعتدوا.
ولكنَّ قومهالخُبثاء رَفَضوا نصيحته، وصارحوه بغرضهم السيء من غير استحياء ولا خجلوقالوا له: ما لنا في بناتك من حق ـ يريدون أنهم ليسوا في حاجة إلى بناتالقرية ـ وأخبروه أنهم لا يرغبون إلا في أولئك الشبان الحسان الذين هم فيبيته ضيوفًا. عند ذلك ازداد همُّه وغمُّه عليه الصلاة والسلام وتمنى أن لوكان له بهم قوة أو كان له منعة أو عشيرة في قومه فينصرونه عليهم.
يقولُ الله تبارك وتعالى: { وَلَمَّاجَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَهَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنقَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءبَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِيضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَمَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوِي إِلَى رُكْنٍشَدِيدٍ (80)} [سورة هود]،
ويقال إنّ لوطًاعليه السلام كان قد أغلق بابه والملائكة معه في الدار، وأخذ يناظر ويجادلقومه من وراء الباب وهم يعالجون الباب ليفتحوه، فلما رأت الملائكة ما يلقىنبي الله لوط عليه السلام من كربٍ شديد أخبروه بحقيقتهم وأنهم ليسوا بشرًاوإنما هم ملائكة ورسل الله قدموا وجاءوا لإهلاك هذه القرية بأمر من اللهلأن أهلها كانوا ظالمين بكفرهم وفسادهم، وأمروه أن يخرج من أرض قومه معأهله ليلاً قبل طلوع الصبح لأن موعد إهلاكهم سيكونُ في وقت الصبح، يقولالله تبارك وتعالىإخبارًا عما قال الملائكة لنبيه لوط عليه السلام: {قَالُواْيَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِبِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌإِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّمَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
ويروى أنّ نبيالله لوطًا عليه الصلاة والسلام لما جَعَل يُمانع قومه أن يدخلوا بيتهويدافعهم والباب مغلق، وهم يَرومون ويُريدون فتحه، استأذن جبريلُ عليهالسلام ربَّه في عقوبتهم فأذِن له، فخرج عليه السلام إليهم وضرَب وجوهَهمبطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل: إنها غارت بالكلية ولم يبقَ لها محل ولاعين ولا أثر.
فانصرفوايتحسسون الحيطان ويتوعدون ويُهددون نبيَّ اللهِ لوطًا عليه السلام، عندذلك قال نبي الله للملائكة: متى موعد هلاكهم؟ قالوا: الصبح، فقال لهم: لوأهلكتموهم الآن، فقالوا له: أليس الصبح بقريب، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْرَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِيوَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38)} [سورة القمر].
هلاكُ قوم لوط وإنزال العذاب بهم
يقولُ الله تعالى حكاية عن ملائكته وما أخبروا به نبيه لوطًا عليه السلام: {قَالُواْيَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِبِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌإِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّمَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)} [سورة هود].
أَمَرَ رُسُلُالله الملائكة نبيَّ الله لوطًا أن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبلطلوع الشمس، وأمروه بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما سينزل بقومه الكافرينمن عذاب، وأن امرأته ستلتفت ويُصيبها ما أصاب قومَها، فقد ذُكر أنها لمّاخرجت مع زوجها لوط عليه السلام وسمعت صيحة العذاب وما نزل بقومها التفتتوقالت: "واقوماه" فأصابها حَجَرٌ فأهلكها مع الهالكين.
وجَاءَ قومَ لوط من أمر الله مَا لا يُرَدّ، ومن العذاب الشديد ما لا يُصد، يقولُ الله عز وجل: {فَلَمَّاجَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَاحِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَاهِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} [سورة هود].
لقد أَدْخَلَ جبريل عليه السلام الذي وصفه الله تبارك وتعالى في القرءان بقوله: {ذي قوة عند ذي العرش مكين}[سورة التكوير] ريشة واحدة من أجنحته في قراهم ومُدنهم وكانت أربعة أوخَمْسَة واقتلعهنّ من أصلهنّ وقرارهن بمن فيهن من قوم لوط الكافرين وكانواكما قيل: أربعمائة ألف شخص، وما معهم من البهائم فرفع الجميعَ حتى بلغ بهنعنان السماء حتى سمع الملائكةُ الذين في السماء الأولى أصوات دَيَكَتِهِمونُباح كلابهم، ثم قَلَبها عليهم فجعل عَاليَها سافلها أي لم يَردَّها كماكانت وإنما ردَّها مقلوبة بمشيئة الله وقدرته، من دون تعب ولا مشقة، وأرسلعليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل، يقول الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُالصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَاوَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (74)} [سورة الحجر]، ويقول تعالى في ءاية أخرى: {وَأَمْطَرْنَاعَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82) مُّسَوَّمَةً عِندَرَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}[سورة هود] أي يتبعُ بعضها بعضًا في نزولها عليهم من السماء قيل: أيْمُعَلَّمَةً مكتوبًا على كلّ حجر اسمُ صاحبه الذي يهبط عليه ويقتله، ويقولتبارك وتعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ ءالاء رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)} [سورة النجم] والمؤتفكةُ هي قرى قوم لوط عليه السلام،
قيل:أي قلبها فأهوى بها مُنكّسة عاليها سافلها وغشاها بمطر من حجارة من سجيلمتتابعة، وكانت مُسَوَّمَةً مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه،وما إن أشرقت الشمس حتى كانت القرى بمن فيها خرابًا ودمارًا يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [سورة هود].
زوجةُ لوط عليه السلام مع الهالكين
أهلك الله تباركوتعالى زوجة نبيه لوط عليه الصلاة والسلام مع الهالكين لأنها كذبتْ نبيهلوطا عليه السلام ولم تؤمن به ولم تدخل في دين الإسلام، بل بقيتْ كافرةًمع قومها راضية بأفعالهم الخسيسة وصفاتهم المذمومة، فَحَلّ بها من السخَطوالعذاب ما حلّ بقومها جزاء لها على كفرها وتعاطفها مع قومها، ولم ينفعهاعند الله أنها كانت زوجةَ نبي الله لوط عليه السلام وهي باقيةٌ على الكفروالضلال، يقول الله جل وعلا في مُحكم تنزيله:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)} [سورة الأعراف]، ويقول عز من قائل: {ضَرَبَاللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍكَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَافَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَمَعَ الدَّاخِلِينَ (10)} [سورة التحريم].
والمراد بالخيانةهنا الخيانة في الدين، فإنهما لم تتبعاهما في دين الإسلام، بل بقيتا علىالكفر والضلال ولم ينفعهما أنهما زوجتا نبيين من أنبياء الله عظيمين وهمانوح ولوط عليهما الصلاة والسلام،
وليسالمراد بالخيانة هنا الزنى وأنهما كانتا على الفاحشة، ويروى عن ابن عباسوغيره من أئمة السلف والخلف :"ما بغتْ ـ أي زنت ـ امرأة نبيّ قط". وقيل:إن اسم امرأة لوط "والهة" واسم امرأة نوح "والغة"، روى الحاكم في المستدركعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} [سورة التحريم] قال: "ما زنتا، أما امرأة نوح فكانت تقول للناس إنه مجنون، وأما امرأة لوط فكانت تدل على الضيف، فذلك خيانتهما".
وصف لوط عليه السلام
روى الحاكم فيالمستدرك عن كعب الأحبار قال: "كان لوط نبيَّ الله وكان ابن أخي ابراهيم،وكان رجلاً أبيض، حسنَ الوجه، دقيق الأنف، صغير الأذن، طويل الأصابع، جيدالثنايا، أحسن الناس إذا ضحك، وأحسنهم وأرزنهم وأحكمهم.
</blockquote>
- nona............................
المنصب :
الـمـسـاهـمـات : 1121
تاريخ التسجيل : 28/07/2010
العمر : 35
العمل/الترفيه : العمل عمل ربنا
مزاجـــــى :
علم البلد :
المهنه :
هوايتي :
رد: سلسلة قصص الانبياء منذ بد الخلق
الخميس 28 أكتوبر 2010, 7:15 pm
<blockquote class="postcontent restore ">
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (85)} الآية [سورة الأعراف].
نَسَبُهُ
قيل هو من ذرية إبراهيم الخليل عليهالصلاة والسلام، وقيل هو ابن بنت نبي الله لوط، وقيل غير ذلك، وإن أمّهبنت لوط، وهو من الأنبياء العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عند ذكرالأنبياءِ والرسل :"أربعة من العرب: هودٌ وصالح وشعيب ونبيُّك يا أبا ذر"، رواه ابن حبان.
وكان مشهورًا بالفصاحة وعلوّ العِبارة، وببلاغته في دعوة قومِه إلى الإيمان والإسلام.
عدد مرات ذكره عليه السلام في القرءان الكريم
ذُكر نبيُّ الله شعيب عليهِ الصلاةوالسلام في القرءان عشرَ مرات، في سُورة الأعراف وفي سورةِ هود وفي سورةِالشُّعراء وفي سورة العنكبوت.
نَبيُّ الله شعيب عليه الصلاة والسلام
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (85)} الآية [سورة الأعراف].
نَسَبُهُ
قيل هو من ذرية إبراهيم الخليل عليهالصلاة والسلام، وقيل هو ابن بنت نبي الله لوط، وقيل غير ذلك، وإن أمّهبنت لوط، وهو من الأنبياء العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عند ذكرالأنبياءِ والرسل :"أربعة من العرب: هودٌ وصالح وشعيب ونبيُّك يا أبا ذر"، رواه ابن حبان.
وكان مشهورًا بالفصاحة وعلوّ العِبارة، وببلاغته في دعوة قومِه إلى الإيمان والإسلام.
عدد مرات ذكره عليه السلام في القرءان الكريم
ذُكر نبيُّ الله شعيب عليهِ الصلاةوالسلام في القرءان عشرَ مرات، في سُورة الأعراف وفي سورةِ هود وفي سورةِالشُّعراء وفي سورة العنكبوت.
قبيلة مدين ومكان إقامتهم
كان أهل مدين قومًا عربًا يسكنون فيبلاد الحجاز مما يلي جهة الشام قريبًا من خليج العقبة من الجهة الشمالية،ومدينتهم "مَدْين" كانت قريبةً من أرض مَعان من أطراف الشام وهي قريبة منبُحيرة قوم لوط وكانوا بَعدهم بمدة قريبة لقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)} [سورة هود]، ومَدين قبيلة عُرفت بهم وهم من بني مَدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
وكانوا على دين إبراهيم ـ الإسلام ـالذي هو دين جميع الأنبياء ولكنه لم يَطُل بهم العهد حتى غيّروا دينَهمُالحق وكفروا بالله وعبدوا غيرَ الله، وانحرفوا عن الصراط المستقيم فغرتهمالحياة الدنيا ومتاعُها الفاني، فقد كانوا أصحابَ تجارة وسلع وكانوا علىالجادة التجارية الكبيرة بين اليمن والشام وبين العراق ومصر على ساحلالبحر الأحمر ولكنَّ حبَّ المال سيطر على قلوبهم وأعْماهم عن اتباع الحق،فقد كانوا يعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حَوْلها غِيْضة وهي أشجارملتفة على بعضها، وزيادة على كفرهم وضلالهم فقد كانوا ينقصون المكيالوالميزان ويُطففون فيهما، أي يأخذون مع الزيادة ويدفعون مع النقصانويأكلون المال الحرام. ولم يكتفوا بهذه المُعاملة السيئة بل كانوا يقطعونالطريق على المارة، ويتعرضون للقوافل فيتوعدونها ويُخيفونها ويَعيثون فيالأرض فَسَادًا.
كان أهل مدين قومًا عربًا يسكنون فيبلاد الحجاز مما يلي جهة الشام قريبًا من خليج العقبة من الجهة الشمالية،ومدينتهم "مَدْين" كانت قريبةً من أرض مَعان من أطراف الشام وهي قريبة منبُحيرة قوم لوط وكانوا بَعدهم بمدة قريبة لقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب:{وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)} [سورة هود]، ومَدين قبيلة عُرفت بهم وهم من بني مَدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
وكانوا على دين إبراهيم ـ الإسلام ـالذي هو دين جميع الأنبياء ولكنه لم يَطُل بهم العهد حتى غيّروا دينَهمُالحق وكفروا بالله وعبدوا غيرَ الله، وانحرفوا عن الصراط المستقيم فغرتهمالحياة الدنيا ومتاعُها الفاني، فقد كانوا أصحابَ تجارة وسلع وكانوا علىالجادة التجارية الكبيرة بين اليمن والشام وبين العراق ومصر على ساحلالبحر الأحمر ولكنَّ حبَّ المال سيطر على قلوبهم وأعْماهم عن اتباع الحق،فقد كانوا يعبدون الأيكة وهي شجرة من الأيك حَوْلها غِيْضة وهي أشجارملتفة على بعضها، وزيادة على كفرهم وضلالهم فقد كانوا ينقصون المكيالوالميزان ويُطففون فيهما، أي يأخذون مع الزيادة ويدفعون مع النقصانويأكلون المال الحرام. ولم يكتفوا بهذه المُعاملة السيئة بل كانوا يقطعونالطريق على المارة، ويتعرضون للقوافل فيتوعدونها ويُخيفونها ويَعيثون فيالأرض فَسَادًا.
إرسال نبي الله شُعيب إلى قبيلة مدين ودعوته قومه إلى دين الإسلام
وَسَط هذا المجتمع الفاسد والكفروالضلال الذي كانت تعيش فيه قبيلة مدين حيث كانوا يُفسدون في الأرض ولايُصلحون، بَعَث الله فيهم رَجلاً منهم هو رسولُ الله شعيبٌ عليه الصلاةوالسلام فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادةِ الله وحده لا شريك له لأنه هوالذي يستحق العبادة وحده دون غيره، ونهاهم عليه السلام عن المفاسدوالأفاعيل القبيحة التي كانوا واقعين فيها، وأمرهم بالعدل والميزان بالقسطوأن لا يبخسوا الناس حقُوقهم، وأن لا يقطعوا الطرق على المارة ويأخذواأموال الناس بالباطل.
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِلَىمَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَإِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍمُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَبِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِيالْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)} [سورة هود].
دعوة شعيب قومه إلى الإسلام
دَعا نبيُّ الله شعيبٌ عليه السلامقومَه إلى عبادة الله وحده وترك عبادةِ غير الله ونهاهُم عن الظلم والفسادوأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق النقص في المكيال والميزان، ولكن لميؤمن بدعوته إلا العدد القليل من قومه مع أَنهم كانوا في بُحبوحة العيشوالرزق، فقد بسط الله عليهم الرزق في عيشهم استدراجًا منه لهم وابتلاءً معكفرهم بالله سبحانه وتعالى وعَدَمِ شُكرهم لله على ما أعطاهم ورَزَقهم منالنعم الوفيرة. وقد بيّن لهم نبيّهُم وذكّرهم بما وَسَّع الله عليهم منالخير والرزق عَلَّهم يَقبلون دَعوتَه فيعبدون الله وحده ولا ينقصونالمكيال والميزان وينتهون عن الفساد في الأرض، قال الله تعالى: {قَالَيَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْجَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَوَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِبَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(85)} [سورة الأعراف].
وَسَط هذا المجتمع الفاسد والكفروالضلال الذي كانت تعيش فيه قبيلة مدين حيث كانوا يُفسدون في الأرض ولايُصلحون، بَعَث الله فيهم رَجلاً منهم هو رسولُ الله شعيبٌ عليه الصلاةوالسلام فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادةِ الله وحده لا شريك له لأنه هوالذي يستحق العبادة وحده دون غيره، ونهاهم عليه السلام عن المفاسدوالأفاعيل القبيحة التي كانوا واقعين فيها، وأمرهم بالعدل والميزان بالقسطوأن لا يبخسوا الناس حقُوقهم، وأن لا يقطعوا الطرق على المارة ويأخذواأموال الناس بالباطل.
قال الله تبارك وتعالى: {وَإِلَىمَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَإِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍمُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَبِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِيالْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)} [سورة هود].
دعوة شعيب قومه إلى الإسلام
دَعا نبيُّ الله شعيبٌ عليه السلامقومَه إلى عبادة الله وحده وترك عبادةِ غير الله ونهاهُم عن الظلم والفسادوأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق النقص في المكيال والميزان، ولكن لميؤمن بدعوته إلا العدد القليل من قومه مع أَنهم كانوا في بُحبوحة العيشوالرزق، فقد بسط الله عليهم الرزق في عيشهم استدراجًا منه لهم وابتلاءً معكفرهم بالله سبحانه وتعالى وعَدَمِ شُكرهم لله على ما أعطاهم ورَزَقهم منالنعم الوفيرة. وقد بيّن لهم نبيّهُم وذكّرهم بما وَسَّع الله عليهم منالخير والرزق عَلَّهم يَقبلون دَعوتَه فيعبدون الله وحده ولا ينقصونالمكيال والميزان وينتهون عن الفساد في الأرض، قال الله تعالى: {قَالَيَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْجَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَوَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِبَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(85)} [سورة الأعراف].
فأمرهمبالعدل ونهاهم عن الظلم من أجل حب المال وتكثيره، وتوعّدهم بالعذاب الأليمالذي ينتظرهم إن هم استمروا على كفرهم بالله ولم يؤمنوا بدعوته واستمرواعلى ظلم الناس وأخذهم أموالهم بالباطل وقطعهم الطرق على المارة فقال لهم:{وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ(86)}[سورة الأعراف] أي تتوعدون الناس بأخذ أموالهم وبذلك تخيفون المارةوتُرعبونهم، وحذرهم نبيُّ الله عن صدّ الناس عن الإيمان وإيذاء المؤمنينمع هذا الفساد في الأرض الذي كانوا يمارسونه والجرائم التي كانوايرتكبونها، قال تعالى إخبارًا عن نبيه عليه السلام فيما نهى عنه قومهوحذرهم: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍتُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ ءامَنَ بِهِوَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْوَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)} [سورة الأعراف].
فقد ذكّرهم شعيبٌ عليه السلام نعمةَالله عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذّرهم نقمة الله بهم وعذابَه الأليمالذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة إنْ هم خالفوا أمره واستمروا على ضلالهموبذلك يخسرون الدنيا والآخرة ويَبوءون بالصَفقة الخاسرة، وذلك هو الخُسرانالمُبين.
وأخذ نبي الله شعيب عليه الصلاةوالسلام يبسط لقومه في الكلام وهو يدعوهم للمعروف وينهاهم عن المنكروالفساد فأراد أن يخرجهم من التعلق بالدنيا وزخارفها ويُبينَ لهم أن أخذالمال وجمعه بالحلال خير لهم من أخذه بالظلم والخيانة وبطرق الحرام فقاللهم برفق وحكمة: {بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(86)} [سورة هود] أي ما يفضُلُ لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خيرلكم إن كنتم مؤمنين من أخذ أموال الناس بالتطفيف والظلم والخيانة.
والقليل من الحلال الطيب خير منالكثير من الحرام الخبيث، وذلك لأن الحلال مُباركٌ فيه وإن قلّ، والحراممَمحوقٌ لا بَرَكة فيه وإن كثر، كما قال تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ(276)} [سورة البقرة]، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قُلٍّ" أي إلى قلة، رواه أحمد.
فقد ذكّرهم شعيبٌ عليه السلام نعمةَالله عليهم في تكثيرهم بعد القلة، وحذّرهم نقمة الله بهم وعذابَه الأليمالذي ينتظرهم في الدنيا والآخرة إنْ هم خالفوا أمره واستمروا على ضلالهموبذلك يخسرون الدنيا والآخرة ويَبوءون بالصَفقة الخاسرة، وذلك هو الخُسرانالمُبين.
وأخذ نبي الله شعيب عليه الصلاةوالسلام يبسط لقومه في الكلام وهو يدعوهم للمعروف وينهاهم عن المنكروالفساد فأراد أن يخرجهم من التعلق بالدنيا وزخارفها ويُبينَ لهم أن أخذالمال وجمعه بالحلال خير لهم من أخذه بالظلم والخيانة وبطرق الحرام فقاللهم برفق وحكمة: {بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(86)} [سورة هود] أي ما يفضُلُ لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خيرلكم إن كنتم مؤمنين من أخذ أموال الناس بالتطفيف والظلم والخيانة.
والقليل من الحلال الطيب خير منالكثير من الحرام الخبيث، وذلك لأن الحلال مُباركٌ فيه وإن قلّ، والحراممَمحوقٌ لا بَرَكة فيه وإن كثر، كما قال تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ(276)} [سورة البقرة]، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قُلٍّ" أي إلى قلة، رواه أحمد.
فأرادشعيب عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أنه ناصحٌ لهم فيما دعاهم إليهونصيحته إليهم خالصة لله وما هو عليهم بحفيظ، وأما الله تبارك وتعالى فهوالرقيبُ عليهم في جميع تصرفاتهم وأعمالهم العليم بأحوالهم لا تخفى عليهخافية لأنه هو الذي خلقهم، قال تعالى: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [سورة هود].
جواب قومه وكيف واجهوا دعوته
واجه قوم شعيب دعوته عليه الصلاةوالسلام بعد كل هذه المحاولات والنصائح بالسخرية والاستهزاء وعدمالاستجابة لدعوته والتكبر عن اتباع الحق وقالوا له على سبيل التهكموالاستهزاء: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْنَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَامَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} [سورة هود].أيأَصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن نتركَ ما كان يعبد ءاباؤناالأقدمون وأسلافنا الأولون ونعبدَ الله وحده، وألا نتعاملَ في أموالنا كيفنشاء وكما نريد فنترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها، وهذامُنتهى السَّفَه والعمى والتكبر عن اتباع الحقّ الذي جاء به نبيُّ اللهشعيب عليه الصلاة والسلام وأمر قومه باتباعه، حتى إنّ قومه الخبثاء قالواله على وجه الاستهزاء والسخرية {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}وإزاء هذا الاستهزاء والعناد والضلال الذي واجه به قومُ مَدين نبيَّهمشعيبًا عليه السلام استمر نبيُّ الله شعيب يَدْعوهم إلى الحق والهدى بأبينإشارة وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: {قَالَيَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّيوَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْإِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلَاحَ مَااسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُوَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [سورة هود].
جواب قومه وكيف واجهوا دعوته
واجه قوم شعيب دعوته عليه الصلاةوالسلام بعد كل هذه المحاولات والنصائح بالسخرية والاستهزاء وعدمالاستجابة لدعوته والتكبر عن اتباع الحق وقالوا له على سبيل التهكموالاستهزاء: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْنَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَامَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} [سورة هود].أيأَصلاتك هذه التي تصليها هي الآمرة لك بأن نتركَ ما كان يعبد ءاباؤناالأقدمون وأسلافنا الأولون ونعبدَ الله وحده، وألا نتعاملَ في أموالنا كيفنشاء وكما نريد فنترك المعاملات التي تأباها وإن كنا نحن نرضاها، وهذامُنتهى السَّفَه والعمى والتكبر عن اتباع الحقّ الذي جاء به نبيُّ اللهشعيب عليه الصلاة والسلام وأمر قومه باتباعه، حتى إنّ قومه الخبثاء قالواله على وجه الاستهزاء والسخرية {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}وإزاء هذا الاستهزاء والعناد والضلال الذي واجه به قومُ مَدين نبيَّهمشعيبًا عليه السلام استمر نبيُّ الله شعيب يَدْعوهم إلى الحق والهدى بأبينإشارة وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: {قَالَيَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّيوَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْإِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلَاحَ مَااسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُوَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [سورة هود].
ثم انتقل نبيُّ الله شعيب في دعوته لقومه إلى نَوع ءاخر من الترهيب فقال لهم: {وَيَاقَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَقَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍمِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89)} [سورة هود].
أي لا يحملنّكم مُخالفتي وبغضُكم ماجِئتُكم به على الاستمرار على ضلالكم ومخالفتكم لما جئتكم به من الهدىوالحق، فيُحلُّ الله بكم العذاب والنكال نظيرَ ما أحله بأمثالكموأَشباهِكُم من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذّبين لأنبيائهم. ثمقال لهم { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ(89)} [سورة هود] معناه في الزمان أي لقد بلغكم ما حلَّ بقوم لوط الذينكذبوا نبيَّهم لوطًا عليه السلام جزاءً لكُفرهم وعُتُوّهم وتكبرهم عناتباع نبيّهم لوط، ثم رغّبهم بالتوبةِ إلى اللهِ بالدخول في دين الإسلامفقال لهم :{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}[سورة هود] أي أقلعُوا عما أنتم فيه من الكفر وعبادة غير الله وادخلوا فيدين الإسلام وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود فإنه من تاب إلى الله تاب عليهفإنه رحيم بعباده وهو الودود الذي يحبُّ عباده المؤمنين ويحبه عبادُهالمؤمنون.
أي لا يحملنّكم مُخالفتي وبغضُكم ماجِئتُكم به على الاستمرار على ضلالكم ومخالفتكم لما جئتكم به من الهدىوالحق، فيُحلُّ الله بكم العذاب والنكال نظيرَ ما أحله بأمثالكموأَشباهِكُم من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذّبين لأنبيائهم. ثمقال لهم { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ(89)} [سورة هود] معناه في الزمان أي لقد بلغكم ما حلَّ بقوم لوط الذينكذبوا نبيَّهم لوطًا عليه السلام جزاءً لكُفرهم وعُتُوّهم وتكبرهم عناتباع نبيّهم لوط، ثم رغّبهم بالتوبةِ إلى اللهِ بالدخول في دين الإسلامفقال لهم :{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}[سورة هود] أي أقلعُوا عما أنتم فيه من الكفر وعبادة غير الله وادخلوا فيدين الإسلام وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود فإنه من تاب إلى الله تاب عليهفإنه رحيم بعباده وهو الودود الذي يحبُّ عباده المؤمنين ويحبه عبادُهالمؤمنون.
فائدة: إنّ قول شعيب لقومه {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية [سورة هود] ليس المقصود به أن يقولوا "أستغفر الله" لتقبلَ توبتُهم عند الله، وإنما المعنى: ادخلوا في دين الإسلام ليغفر لكم الكفر، قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}بَيَّنت هذه الآية أن استغفار الكافر أن يقلع عن كفره فيؤمن بالله ورسولهلأن قول "أستغفر الله" لا ينفع مع الكفر بل يزيده كفرًا لأن معنى قوله"أستغفر الله" تكذيب لله لأن الله أخبر في القرءان بأنه لا يغفر للكافر مادام على كفرهِ لأن توبةَ الكافر تكون بالدخول في دين الإسلام ولا تكونبقول أستغفر الله، يقول تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ (38)} الآية [سورة الأنفال].
استمرار قوم شعيب على ضلالهم وتجاهلهم دعوةَ نبيّ الله وتهديده بالقتل
رغم المحاولات العديدة والأساليبالمختلفة التي بذلها نبي الله شعيب في دعوة قومه إلى الدين الحق وتركالمنكرات والقبائح التي كانوا يفعلونها، تجاهل قومُه الخبثاء دعوتَهواستمروا على جهلهم وضلالِهم وكفرهم وردوا عليه بالسخرية والاستهزاء.
قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن قوم شعيب: {قَالُوايَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَفِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَابِعَزِيزٍ (91)} [سورة هود].
استمرار قوم شعيب على ضلالهم وتجاهلهم دعوةَ نبيّ الله وتهديده بالقتل
رغم المحاولات العديدة والأساليبالمختلفة التي بذلها نبي الله شعيب في دعوة قومه إلى الدين الحق وتركالمنكرات والقبائح التي كانوا يفعلونها، تجاهل قومُه الخبثاء دعوتَهواستمروا على جهلهم وضلالِهم وكفرهم وردوا عليه بالسخرية والاستهزاء.
قال الله تبارك وتعالى إخبارًا عن قوم شعيب: {قَالُوايَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَفِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَابِعَزِيزٍ (91)} [سورة هود].
ويُشبهُ هذا الذي ردُّوا به على نبيهم ما قال كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ (5)} الآية [سورة فصلت].
ولم يكتفوا باستكبارهم عن اتباع الحقالذي جاء به نبيّهم بل واجهوه بأنَّهم لولا عشيرته وقبيلته لرجموهبالحجارة حتى القتل وتخلصوا منه، فقال لقومه: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92)} [سورة هود] أي أتخافون من قبيلتي وعشيرتي وتراعونني بسببهم وخوفًامنهم ولا تخافون عذاب الله! وجعلتم أمر الله وراء ظهوركم لجهلكم وتكبركم!والله سبحانه عليم بما تعملونه لا يخفى عليه شىء، محيط بذلك كله وسيجزيكمعليه يوم القيامة.
إهلاك قوم شعيب وسوء عاقبتهم
تَمادَى قوم نبيّ الله شعيب عليهالصلاة والسلام في غَيّهم وضَلالهم، واستمروا على عنادهم في تكذيب نبيّهموردّ دعوته، ولم يردّهم تذكير نبيّهم شعيب ونصيحتهم عن بَغيهم وظُلمهموتكبرهم، بل إنَّهم استمروا على تكذيبه واستهزءوا بما توعّدهم به منالعذاب الأليم، فإنَّهم قالوا له: {قَالُواإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌمِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْعَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)} [سورة الشعراء]، {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)} [سورة الأعراف].
ولَمَّا رأى نبيُّ الله شعيب عليهالصلاة والسلام عناد قومه وتصميمهم على تكذيبه وردِّ دعوته، عند ذلكاستفتح على قوْمه واستنصرَ ربَّه عليهم في تعجيل ما يستحقونه من العذاب،ودَعَا الله مُجيبَ الدعوات عليهم فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [سورة الأعراف].
ولم يكتفوا باستكبارهم عن اتباع الحقالذي جاء به نبيّهم بل واجهوه بأنَّهم لولا عشيرته وقبيلته لرجموهبالحجارة حتى القتل وتخلصوا منه، فقال لقومه: {أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(92)} [سورة هود] أي أتخافون من قبيلتي وعشيرتي وتراعونني بسببهم وخوفًامنهم ولا تخافون عذاب الله! وجعلتم أمر الله وراء ظهوركم لجهلكم وتكبركم!والله سبحانه عليم بما تعملونه لا يخفى عليه شىء، محيط بذلك كله وسيجزيكمعليه يوم القيامة.
إهلاك قوم شعيب وسوء عاقبتهم
تَمادَى قوم نبيّ الله شعيب عليهالصلاة والسلام في غَيّهم وضَلالهم، واستمروا على عنادهم في تكذيب نبيّهموردّ دعوته، ولم يردّهم تذكير نبيّهم شعيب ونصيحتهم عن بَغيهم وظُلمهموتكبرهم، بل إنَّهم استمروا على تكذيبه واستهزءوا بما توعّدهم به منالعذاب الأليم، فإنَّهم قالوا له: {قَالُواإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌمِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْعَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187)} [سورة الشعراء]، {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)} [سورة الأعراف].
ولَمَّا رأى نبيُّ الله شعيب عليهالصلاة والسلام عناد قومه وتصميمهم على تكذيبه وردِّ دعوته، عند ذلكاستفتح على قوْمه واستنصرَ ربَّه عليهم في تعجيل ما يستحقونه من العذاب،ودَعَا الله مُجيبَ الدعوات عليهم فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)} [سورة الأعراف].
فأنزل الله القويُّ المتين العذابَ الشديدَ على قوم شعيب وجعلهم عبرةً لمن اعتبر، قال الله تبارك وتعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(91)} [سورة الأعراف] أي رجفت بهم أرضهم وزُلزِلت بمشيئة الله وقدرتهزلزالاً شديدًا أزهقت أرواحهم من أجسادهم وصيَّرتْ حيوان أرضهم كجمادها،وأصبحت جُثَثهُم جاثيةً لا أرواح فيها ولا حركات ولا حواس، ولقد جمع اللهالعزيز المنتقم على قوم شعيب الذين كذَّبوا نبيَّه وءاذوه أنواعًا منالعقوبات وأشكالاً من البليات، وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات ولماصمَّموا عليه من أنواع الكفر والضلال، فقد سَلَّطَ الله عليهم رجفةً شديدةأسكنت حركاتهم، وصيحة عظيمة أخمدت أصواتهم، وظُلّةَ سحابٍ أرسل عليهم منهاشرر النار المُلتهبة في سائر جهاتهم فأهلكوا جميعهم، يقول الله عز وجل:{فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189)}[سورة الشعراء] وذلك أنهم أصابهم حرٌّ شديد وأسكن اللهُ هبوب الهواء عنهمسبعة أيام، فكان لا ينفعُهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم في الأسراب،فهربوا من محلتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة فوجدوا لها بَردًا ولذة فنادىبعضهم بعضًا، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها، فلمّا تكاملوا فيها أرسلهااللهُ العزيز القوي عليهم تَرْميهم بِشَررٍ وشُهُب، ورجفت بهم الأرضوجاءتهم صيحة قوية من السماء فأزهقت أرواحهم، والله عزيز ذو انتقام، يقولتعالى في محكم تنزيله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)} [سورة هود].
ونجّى الله تبارك وتعالى نبيه وحبيبَه شعيبًا عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين ونصرهم على القوم الكافرين يقول تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51)} [سورة غافر].
وأَعرض نبيُّ الله شعيب عليه الصلاةوالسلام عن قومه بعد أن أهلكهم الله بهذا العذاب الأليم، ونعاهم إلىأنفسهم مُوَبِّخًا ومُؤنبًا ومقرّعًا قال الله تبارك وتعالى: {فَتَوَلَّىعَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّيوَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}[سورة الأعراف] المعنى لقد أديتُ ما كان واجبًا عليّ من البلاغ التاموالنصح الكامل، وحَرَصتُ على هدايتكم بكل ما أقدر عليه فلم تنتفعوا بذلك،ولستُ أتأسف وأحزن بعد هذا عليكم، ذلك لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة.
وفاة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام
وقد عاش سيدنا شعيب عليه الصلاةوالسلام مُدةً من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلّغ ما أمرهالله بتبليغه، وجاهد في الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام فيالأردن ودفن فيها وقبره هناك في وادٍ يسمى اليوم بوادي شعيب، وهو مَقامٌمعروفٌ ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربيالكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم. والله أعلم.
</blockquote>وأَعرض نبيُّ الله شعيب عليه الصلاةوالسلام عن قومه بعد أن أهلكهم الله بهذا العذاب الأليم، ونعاهم إلىأنفسهم مُوَبِّخًا ومُؤنبًا ومقرّعًا قال الله تبارك وتعالى: {فَتَوَلَّىعَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّيوَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}[سورة الأعراف] المعنى لقد أديتُ ما كان واجبًا عليّ من البلاغ التاموالنصح الكامل، وحَرَصتُ على هدايتكم بكل ما أقدر عليه فلم تنتفعوا بذلك،ولستُ أتأسف وأحزن بعد هذا عليكم، ذلك لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة.
وفاة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام
وقد عاش سيدنا شعيب عليه الصلاةوالسلام مُدةً من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلّغ ما أمرهالله بتبليغه، وجاهد في الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام فيالأردن ودفن فيها وقبره هناك في وادٍ يسمى اليوم بوادي شعيب، وهو مَقامٌمعروفٌ ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربيالكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم. والله أعلم.
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى